في الأحكام، ولا يشترط في حكمه أن يكون بوحي. وقيل: يشترط. وهذا القائل يُجيب عن هذا الحديث بأنه لعله أوحي إليه ذلك. واللَّه أعلم انتهى (?).
وقال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: استُدِلَّ به على أنّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -كان له أن يجتهد في الأحكام؛ لقوله: "لو قلت: نعم لوجبت"، ولا يشترط في حكمه أن يكون بوحي. وأجاب من منع باحتمال أن يكون أوحي إليه ذلك في الحال انتهى (?).
وقال السنديّ: قيل: وهذا بظاهره يقتضي أن أمر افتراض الحجّ كلّ عام كان مفوّضًا إليه، حتى لو قال: نعم لحصل، وليس بمستبعد، إذ يجوز أن يأمر اللَّه تعالى بالإطلاق، ويفوّض أمر التقييد إلى الذي فوّض إليه البيان، فهو إن أراد أن يبقيه على الإطلاق يبقيه عليه، وإن أراد أن يقيّده بكلّ عام يقيّده به.
ثم فيه إشارة إلى كراهة السؤ الذي النصوص المطلقة، والتفتيش عن قيودها، بل ينبغي العمل بها على إطلاقها، حتى يظهر فيها قيد، وقد جاء القرآن موافقًا لهذه الكراهة -يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} الآية-. انتهى. (?)
(لَوَجَبَتْ) أي هذه العبادة، أو فريضة الحجّ المدلول عليها بقوله: "قد فَرَضَ"، أو الحجة كلّ عام، أو حجج كثيرة على كلّ أحد (وَلَوْ وَجَبَتْ، مَا قُمْتُمْ بِهَا) أي ما قدرتم كلّكم على القيام بأدائها في كلّ عام، فتقعون بذلك في حرج عظيم (ذَرُونِي) وفي رواية البخاريّ: "دعوني" أي اتركوني من السؤال عن القيود في المطلقات. قال في "القاموس": ذَرْه: أي دَعْه، يَذَرُه تركًا، ولا تقل: وَذْرًا، وأصله وَذِرَهُ يَذَرُهُ، كوَسِعَه يَسَعُهُ، لكن ما نطقوا بما ضيه، ولا بمصدره، ولا باسم الفاعل. أو قيل: وَذِرْتُهُ شاذًّا انتهى.
قال في "الفتح" بعد أن ذكر أن مسلما أخرجه مطوّلًا -يعني كرواية المصنّف-: ما نصّه: وأخرجه الدارقطنيّ مختصرًا، وزاد فيه: "فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، وله شاهد عن ابن عبّاس، عند الطبريّ في "التفسير"، وفيه: "لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم، فاتركوني ما تركتكم ... " الحديث، وفيه فأنزل اللَّه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ} الآية انتهى (?).