أحمد، واختارها أبو الخطّاب -كما قال ابن قدامة --رحمهم اللَّه تعالى-- هو الأرجح عندي.

وحاصله أن الغنى المانع من أخذ الزكاة هو الكفاية، فإذا لم يكن محتاجًا حرمت عليه الزكاة، وإن لم يملك شيئًا، وإن كان محتاجًا حلت له، وإن ملك نصابًا، أو أكثر من أي نوع كان، فتقدّر الكفاية بسدّ الحاجة، لا بخمسين درهمًا، أو نحوها, لأن اللَّه تعالى جعلها للفقراء والمساكين، فكلّ من له حاجة فهو فقير، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، والأزمان، والأمكنة، فيقدّر فقر كلّ أحد على حسب حاله، فيجوز له أخذ الزكاة بقدر ما يسدّ حاجته، فربّ شخص يكون عنده ألف أو أكثر، ولا يكفيه؛ لكثرة عياله، فتحلّ له الزكاة، وآخر عنده عشرة دراهم، ولا يحتاج إلى غيرها، فلا تحلّ له.

وأما النصوص التي اعتمدوا عليها من تقدير الغنى بالخمسين، أو أربعين، أو بما يغدّيه، ويعشيه، فإنما هي للنهي عن السؤال، لا لأخذ الصدقة من غير سؤال، على أن بعضها لا يصحّ كحديث الخمسين، كما قدمته قريبًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أُنيب".

...

88 - (بَابُ الإِلْحَافِ فِي الْمَسْأَلَة)

أي هذا باب ذكر الحديث الدّالّ على النهي عن الإلحاف، أي شدّة الإلحاح في المسألة.

2593 - (أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ, قَالَ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ, عَنْ عَمْرٍو, عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ, عَنْ أَخِيهِ, عَنْ مُعَاوِيَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «قَالَ لاَ تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ, وَلاَ يَسْأَلْنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا, وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ, فَيُبَارَكُ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ»).

رجال هذا الإسناد: ستة:

1 - (الحسين بن حُرَيث) الخُزَاعيُّ، أبو عمار المروزيُّ، ثقة [10] 8/ 2216.

2 - (سفيان) بن عيينة المكي الحافظ الثبت الحجة [8] 1/ 1.

3 - (عمرو) بن دينار الجُمَحيُّ الأثرم، أبو محمد المكي، ثقة ثبت [4] 112/ 154.

4 - (وهب بن مُنَبِّه) بن كامل الأبْنَاويّ، أبو عبد اللَّه اليماني، ثقة [3] 65/ 2557.

5 - (أخوه) همام بن مُنَبِّه بن كامل، أبو عقبة الصنعاني، ثقة [4] 1/ 397.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015