قال الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى-: وما زال ذوو الهمم والأخطار من الرجال، يتنزّهون عن السؤال، ولقد أحسن أبو الفضل أحمد بن المعذل بن غيلان العبديّ الفقيه المالكي حيث يقول:
الْتَمِسِ الأَرْزَاقَ عِنْدَ الَّذِي ... مَا دُونَهُ إِنْ سِيلَ مِنْ حَاجِبِ
مَنْ يُبْغِضُ التَّارِكَ عَنْ سُؤْلِهِ ... جُودًا وَمَنْ يَرْضَى عَنِ الطَّالِبِ
وَمَنْ إِذَا قَالَ: جَرَى قَوْلُهُ ... بِغَيرِ تَوْقِيعٍ إِلَى كَاتِبِ
ومن أحسن ما قيل نظمًا في الرضى والقناعة، وذم السؤال قولُ بعض الأعراب [من الطويل]:
عَلَامَ سُؤَالُ النَّاسِ وَالرِّزْقُ وَاسِعُ ... وَأَنْتَ صَحِيحٌ لَمْ تَخُنْكَ الأَصَابِعُ
وَلِلْعَيشِ أَوْكَارٌ وَفِي الأَرْضِ مَذهَبُ ... عَرِيضٌ وَبَابُ الرزْقِ فِي الأَرْضِ وَاسِعُ
فَكُنْ طَالِبًا لِلرِّزْقِ مِنْ رَازِقِ الغِنَى ... وَخَلِّ سُؤَالَ النَّاسِ فَاللهُ صَانِعُ
وقال مسلم بن الوليد [من الطويل أيضًا]:
أَقُولُ لِمَأْفُونِ (?) الْبَدِيَهةِ طَائِرٍ ... مَعَ الْحِرْصِ لَمْ يَغْنَنم وَلَمْ يَتَمَوَّلِ
سَلِ النَّاسَ إِنِّي سَائِلُ اللَّهِ وَحْدَهُ ... وَصَائِنٌ عِرْضِي عَنْ فُلَانٍ وَعَنْ فُلِ
وقال عُبيد بن الأبرص:
مَنْ يَسَلِ النَّاسَ يَحْرِمُوهُ ... وَسَائِلُ اللَّهِ لَا يَخِيبُ
ومن قصيدة للحسين بن حميد [من البسيط]:
وَسَائِلُ النَّاسِ إِنْ جَادُوا وَإِنْ بَخِلُوا ... فَإنهُ بِرِدَاءِ الذُّلِّ مُشْتَمِلُ
وقال أبو العتاهية، فأحسن [من الوافر]:
أَتَدْرِي أَيُّ ذُلٍّ فِي السُّؤَالِ ... وَفِي بَذْلِ الْوُجُوهِ إِلَى الرِّجَالِ
يَعِزُّ عَلَى التَّنَزُّهِ مَنْ رَعَاهُ ... وَيَسْتَغْنِي الْعَفِيفُ بِغَيْرِ مَالِ
تَعَالَى اللَّهُ يَا سَلْمُ بْنَ عَمْرٍ ... أَذَلَّ الْحِرْصُ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ
وَمَا دُنْيَاكَ إِلَّا مِثْلُ فَيْءٍ ... أَظَلَّكَ ثُمَّ آذَنَ بِالزَّوَالِ
إِذَا كَانَ النَّوَالُ بِبَذْلِ وَجْهِي ... فَلَا قَرُبْتُ مِنْ ذَاكَ النَّوَالِ