قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: ليس إخبار بلال - رضي اللَّه تعالى عنه - بالسائلتين اللتين استكتمتاه مَنْ هما بكشف أمانة سرّ؛ لوجهين:
[أحدهما]: أن بلالًا فَهِمَ أن ذلك ليس على الإلزام، وإنما كان ذلك منهما على أنهما رأتا أنه لا ضرورة تُحوِج إلى ذلك.
[الثاني]: أنه إنما أخبر بهما جوابًا لسؤال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فرأى أنّ إجابة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أهمّ، وأوجب من كتمان ما أمرتاه به. وهذا كلّه بناء على أنهما أمرتاه به. ويحتمل أن يكون سؤالًا للإسراع، ولا يجب إسعاف كلّ سؤال انتهى (?).
(قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (نَعَمْ) يجزئ عنهما (لَهُمَا) أي لكلّ واحدة منهما (أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ) أي أجر صلة الرحم (وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ) أي أجر منفعة الصدقة، وهذا ظاهره أنها لم تشافهه بالسؤال، ولا شافهها بالجواب، وحديث أبي سعيد الذي أخرجه الشيخان، وغيرهما، وتقدّم للمصنف برقم -1576 - (?) يدلّ أنها شافهته، وشافهها؛ لقولها فيه: "يا نبيّ اللَّه إنك أمرت"، وقوله فيه: "صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحقّ". فيحتمل أن يكونا قصّتين. ويحتمل أن يقال: تُحمَل هذه المراجعة على المجاز، وإنما كانت على لسان بلال. قاله في "الفتح".
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن الاحتمال الأول هو الأرجح، ومما يرجّحه، اختلاف سياق القصّتين، ففي حديث الباب أن السؤال عن أيتام هم بنو أخيها، لا عن ولدها، وفي حديث أبي سعيد أن الولد لها من ابن مسعود - رضي اللَّه تعالى - عنهما، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.