للبخاريّ، من طريق عطاء بن أبي رباح، عن جابر: "أن رجلًا أعتق غلامًا له عن دبر، فاحتاج، فأخذه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: "من يشريه منّي" .. الحديث. ففيها التصريح بأنّ سبب بيعه هو احتياجه إلى ثمنه، وقد جاءت رواية أخرى فيها بيان أن سببه هو الدين، فقد أخرج الإسماعيليّ، من طريق أبي بكر بن خلاّد، عن وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، وفيه: "أعتق غلامًا له، وعليه دينٌ"، وقد جاءت رواية أخرى بينت السببين معًا، فقد أخرج النسائيّ من طريق الأعمش، عن سلمة بن كهيل، بلفظ: "أنّ رجلًا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر، وكان محتاجًا، وكان عليه دينٌ، فباعه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بثمانمائة درهم، فأعطاه، وقال: اقض دينك".
والحاصل أنّ سبب بيعه كونه فقيرًا محتاجًا إليه، حيث لا مال له سواه، وتحمّله الدين، واللَّه تعالى أعلم.
(فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي) فيه جواز بيع المدبّر، وفيه خلاف بين أهل العلم، والراجح جوازه مطلقًا، وهو قول الشافعيّ، وأهل الحديث. ومنهم من منع مطلقًا، وهو قول مالك، والأوزاعيّ، والكوفيين. ومنهم من أجازه للحاجة، وهو قول الليث بن سعد.
وقال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرحه": من لا يرى بيع المدبّر، منهم من يحمله على أنه كان مدبّرًا مقيّدًا بمرضٍ، أو بمدّة، كعلمائنا -يعني الحنفيّة- ومنهم من يحمله على أنه دبرّه، وهو مديونٌ، كأصحاب مالك، والأول بعيدٌ، والثاني يردّه آخر الحديث انتهى (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله السنديّ -رحمه اللَّه تعالى- إنصاف منه حيث ردّ على أهل مذهبه، وغيرهم؛ لمخالفتهم الحديث، فيا ليت أصحاب المذاهب المتأخرين كلهم كانوا هكذا، وانقادوا للنصّ إذا اتّضح لهم الحقّ، وأن لا يعاندوا، ولا يتعضبوا لمذهبهم، ولا يتعلّلوا بتعليلات باردة في إعراضهم عن النصّ بالتأويل البعيد.
اللَّّهمّ أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، إنك أرحم الراحمين.
وسيأتي لنا عودة إلى إتمام البحث في هذه المسألة في محلّه من "كتاب البيوع" في "باب بيع المدبّر" 84/ 4652 - إن شاء اللَّه تعالى.
(فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ) هو نُعيم بن عبد اللَّه بن أسيد بن عبد عوف بن