تأملى الغنى، وتخشى الفقر"؛ لأنه في حال الصحّة يصعُب عليه إخراج المال غالبًا لما يخوّفه به الشيطان، وُيزيّن له، من إمكان طول العمر، والحاجة إلى المال، كما قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} الآية [البقرة: 268]. وأيضًا، فإن الشيطان ربّما زيّن له الْحَيْفَ في الوصيّة، أو الرجوع عن الوصيّة، فيتمحّض تفضيل الصدقة الناجزة.

قال بعض السلف عن بعض أهل التّرَف: يعصون اللَّه في أموالهم مرّتين، يبخلون بها، وهي في أيديهم -يعني في الحياة- ويُسرفون فيها إذا خرجت عن أيديهم -يعني بعد الموت- (?).

وأخرج الترمذيّ، بإسناد حسن، وصححه ابن حبّان، عن أبي الدرداء، مرفوعًا، قال: "مثلُ الذي يُعتقُ، ويتصدّق عند موته، مثلُ الذي يهُدي إذا شَبع". وهو يرجع إلى معنى حديث الباب. وروى أبو داود، وصححه ابن حبّان، من حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا: "لأن يتصدّق الرجل في حياته، وصحّته بدرهم، خيرٌ له من أن يتصدّق عند موته بمائة". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

2543 - (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ, قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى, قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو (?) بْنُ عُثْمَانَ, قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ, أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى, وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى, وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد عندهم رجال الصحيح، وقد تقدموا غير مرة.

و"عمرو بن عليّ": هو الفلاّس. و"يحيى": هو ابن سعيد القطّان. و"عمرو بن عثمان" بن عبد اللَّه بن مَوْهَب التيميّ الكوفيّ الثقة 10/ 468. و"موسى بن طلحة" بن عبيد اللَّه التيميّ المدنيّ، نزيل الكوفة الثقة الجليل 10/ 468.

والحديث أخرجه البخاريّ، وقد تقدّم في 50/ 2531 - وتقدّم تمام البحث فيه هناك مستوفًى، فراجعه تستفد.

ودلالته على ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- واضحة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015