قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: المناسب هنا كون الأَمَل بمعنى الرجاء. واللَّه تعالى أعلم.

و"العيش" -بفتح، فسكون-: الحياة. وفي الرواية الآتية في "الوصايا": "وتأمل البقاء". وهو بمعناه. وفي رواية للشيخين: "تأمل الغنى"، أي ترجوه، وتطمع فيه، وتقول: أترك مالي في بيتي؛ لأكون غنيًّا، ويكون لي عزّ عند الناس بسببه.

والجملة خبر بعد خبر، أو حالٌ بعد حال، أو مستأنفةٌ، سيقت لبيان حال الصحيح. (وَتَخْشَى الْفَقْرَ") بإخراج المال من يدك. وموضع الجملة كسابقتها. وإنما خصّ هاتين الحالتين، وهما أمل العيش، وخشية الفقر؛ لأنّ الصدقة في هاتين الحالتين أشدّ مُراغمة للنّفس.

زاد في الرواية الآتية في "الوصايا" من طريق محمد بن فُضيل، عن عمارة: "ولا تُمْهِل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت لفلان كذا، وقد كان لفلان". ولفظ البخاريّ: "لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان".

فقوله: "ولا تُمهل" بالجزم، على أنه نهيٌ عن الإمهال، وبالرفع على أنه نهي له. ويجوز النصب عطفًا على "أن تصدق".

وقوله: "حتى إذا بلغت الحلقوم". كلمة "حتّى" للغاية، والضمير في "بَلَغَت" يرجع إلى الروح، بدلالة سياق الكلام عليه، والمراد منه قارَبَتِ البلوغَ، إذ لو بلغته حقيقة، لم تصحّ وصيته، ولا شيء من تصرّفاته. و"الْحُلْقُوم": هو الحلق. وفي "المخصّص" عن أبي عُبيدة: هو مجرى النفس، والسعال من الجوف (?).

وقوله: "لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان" كناية عن الموصَى له. وقوله: "كذا" كناية عن الموصَى به.

وحاصل المعنى أنّ أفضل الصدقة أن تتصدّق في حال حياتك، وصحّتك، مع احتياجك إليه، واختصاصك به، لا في حال سقمك، وسياقِ موتك؛ لأنّ المالَ حينئذٍ خرج عنك، وتعلّق بغيرك.

وقال الخطّابيّ -رحمه اللَّه تعالى-: فلانٌ الأول، والثاني الموصَى له، وفلان الأخير الوارث؛ لأنه إن شاء أبطله، وإن شاء أجازه. وقال غيره: يحتمل أن يكون المراد بالجميع من يُوصَى له، وإنما أدخل "كان" في الثالث إشارةً إلى تقدير القدَرِ له بذلك.

وقال الكرمانيّ -رحمه اللَّه تعالى-: يحتمل أن يكون الأول الوارثَ، والثاني المورّث،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015