قال: وأما ما رواه الطبرانيّ في "الأوسط" من طريق يزيد بن الأصمّ، عن ميمونة - رضي اللَّه عنها -، أنّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لهن: "ليس ذلك أعني، إنما أعني أصنعكنّ يدًا". فهو ضعيف جدًّا، ولو كان ثابتًا، لم يحتجن بعد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى ذرع أيديهنّ، كما يأتي في رواية عمرة، عن عائشة (ومنها): ما قاله المهلّب: فيه دلالة على أن الحكم للمعاني، لا للألفاظ؛ لأن النسوة فَهِمنَ من طول اليد الجارحة، وإنما المراد بالطول كثرة الصدقة. قال الحافظ: وما قاله لا يمكن اطراده في جميع الأحوال انتهى (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): قد تقدّم أن رواية المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- فيها وَهَمٌ، ومثلها رواية البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى-، ولفظه:
1420 حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، - رضي اللَّه عنها -، أن بعض أزواج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، قُلن للنبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: أينا لأسرع بك لحوقا؟، قال: "أطولكن يدا"، فأخذوا قصبة، يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يدا، فعلمنا بعدُ، أنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقا به، وكانت تحب الصدقة".
قال في الفتح": "وكانت أسرعنا" كذا وقع في "الصحيح" بغير تعيين، ووقع في "التاريخ الصغير" للبخاريّ، عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد: "فكانت سودة أسرعنا الخ"، وكذا أخرجه البيهقيّ في "الدلائل"، وابن حبّان في "صحيحه" من طريق العبّاس الدُّوريّ، عن موسى. وكذا وقع في رواية عفّان عند أحمد، وابن سعد، قال ابن سعد: قال لنا محمد بن عمر -يعني الواقديّ-: هذا الحديث وَهَلَ في سودة، وإنما هو في زينب بنت جحش، فهي أول نسائه به لُحوقًا، وتوفّيت في خلافة عمر، وبقيت سودة إلى أن توفّيت في خلافة معاوية، في شوّال سنة أربع وخمسين.
وقال ابن بطّال: هذا الحديث سقط منه ذكر زينب؛ لاتفاق أهل السير على أن زينب أوّل من ماتت من أزواج النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يعني أن الصواب: وكانت زينب أسرعنا الخ.
قال الحافظ: ولكن يعكر على هذا التأويل تلك الروايات المتقدّمة المصرّح فيها بأن الضمير لسودة.
وقرأت بخطّ الحافظ أبي عليّ الصدفيّ: ظاهر هذا اللفظ أن سودة كانت أسرع، وهو خلاف المعروف عند أهل العلم أن زينب أوّل من مات من الأزواج، ثم نقله عن مالك،