(قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟) ذلك عجزًا، أو كسلًا. وفي رواية البخاريّ: "فإن لم يجد". وفي رواية مسلم: "أرأيت إن لم يستطع" (قَالَ: "يُعِينُ") أي بالفعل، أو بالقول، أو بهما (ذَا الْحَاجَةِ) أي صاحب الاحتياج إلى المعونة (الْمَلْهُوفَ) بالنصب نعت لـ "ذا الملهوف". أي المستغيث، وهو أعمّ من أن يكون مظلومًا، أو عاجزًا. قاله في "الفتح".

وقال النوويّ: الملهوف عند أهل اللغة يُطلق على المتحسّر، وعلى المضطرّ، وعلى المظلوم، وقولهم: يا لهفَ نفسي على كذا كلمة يُتحسّر بها على ما فات، ويقال: لَهِفَ -بكسر الهاء- يَلْهَفُ -بفتحها- لَهْفًا،-بإسكانها-: أي حزن، وتحسّر، وكذلك التلهّف انتهى (?).

(قِيلَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟) ولمسلم: "أرأيت إن لم يستطع" (قَالَ: "يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ) يشمل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإفادة العلميّة، والإفادة العمليّة، والنصيحة العمليّة. وللبخاري: "فليعمل بالمعروف". ولمسلم: "يأمر بالمعروف، أو الخير" (قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟) أي لم يتيسّر له ذلك (قَالَ: "يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ) قال في "الفتح": كذا وقع بضمير المؤنّث، وهو باعتبار الخصلة من الخير، وهو الإمساك، ووقع في رواية "الأدب": "فإنه" أي الإمساك "له" أي للممسك. قال الزين ابن المنيّر: إنما يحصل ذلك للممسك عن الشرّ، إذا نوى بالإمساك القربة، بخلاف محض الترك، والإمساك أعمّ من أن يكون عن غيره، فكأنه تصدّق عليه بالسلامة منه، فإن كان شرّه لا يتعدّى نفسه، فقد تصدّق على نفسه بأن منعها من الإثم، قال. وليس ما تضمّنه الخبر من قوله: "فإن لم يجد" ترتيبًا، وإنما هو للإيضاح لما يفعله مَنْ عجز عن خصلة من الخصال المذكورة، فإنه يمكنه خصلة أخرى، فمن أمكنه أن يعمل بيده، فيتصدّق، وأن يُغيث الملهوف، وأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويمسك عن الشرّ، فليفعل الجميع.

ومحصّل ما ذُكر في حديث الباب أنه لا بدّ من الشفقة على خلق اللَّه تعالى، وهي إما بالمال، أو غيره، والمال إما حاصلٌ، أو مكتسبٌ، وغير المال إما فعلٌ، وهو الإغاثة، وإما تركٌ، وهو الإمساك.

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة -رحمه اللَّه تعالى-: ترتيب هذا الحديث أنه نَدَبَ إلى الصدقة، وعند العجز عنها ندب إلى ما يقرُب منها، أو يقوم مقامها، وهو العمل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015