حيث لا دينَ عليه، وكان صبورًا على الإضاقة، ولا عيال له، أو له عيالٌ يصبرون أيضًا، فهو جائزٌ، فإن فُقد شيء من هذه الشروط كُرِه. وقال بعضهم: هو مردودٌ. ورُوي عن عمر - رضي اللَّه عنه -، حيث رَدّ على غيلان الثقفيّ قسمة ماله.
ويمكن أن يُحتجّ له بقصّة المدبّر، الذي سيأتي للمصنّف برقم -60/ 2556 - وأخرجه الشيخان، عن جابر - رضي اللَّه عنه -، قال: أعتق رجل من بني عُذْرَة، عبدا له، عن دبر، فبلغ ذلك رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال: "ألك مال غيره؟ "، فقال: لا، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "من يشتريه مني؟ "، فاشتراه نعيم بن عبد اللَّه العدويّ، بثمان مائة درهم، فجاء بها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فدفعها إليه، ثم قال: "ابدأ بنفسك، فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك، فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا، وهكذا، يقول: بين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك. وفي لفظ للبخاريّ أن رجلًا أعتق غلاما له عن دبر، فاحتاج ... " الحديث.
فهذا الحديث يدلّ على أن من تصدّق، وهو محتاجٌ يردّ عليه، ولا تنفذ صدقته.
وقال آخرون: يجوز من الثلث، ويُردّ عليه الثلثان. وهو قول الأوزاعيّ، ومكحول.
وعن مكحول أيضًا يُردّ ما زاد على النصف.
قال الطبريّ -رحمه اللَّه تعالى-: والصواب عندنا الأول، من حيث الجواز، والمختار من حيث الاستحباب أن يجعل ذلك من الثلث، جمعًا بين قصّة أبى بكر، وحديث كعب. انتهى (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما قال الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- هو الأرجح، وحاصله أن من تصدق بماله، وهو محتاجٌ، أو أهله، أو عليه دينٌ، بطلت صدقته، إلا أن يكون معروفًا بالصبر، كفعل أبي بكر - رضي اللَّه عنه -، وبهذا تجتمع الأدلّة، من غير تعارض. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكّلت، وإليه أنيب".
...