وثبت عند أحمد، وابن خزيمة أيضًا، والنسائيّ (?)، وابن ماجه، والحاكم، من حديث قيس بن سعد بن عُبادة، قال: "أمرنا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - الفطر قبل أن تنزل الزكاة، ثم نزلت الزكاة، فلم يأمرنا، ولم ينهنا، ونحنُ نفعله". إسناد صحيح، ورجاله رجال الصحيح، إلا أبا عمّار الراوي له عن قيس بن سعد، وهو كوفيّ، اسمه عَرِيب -بالمهملة المفتوحة- ابن حُميد، وقد وثقه أحمد، وابن معين، وهو دالّ على أن فرض صدقة الفطر كان قبل فرض الزكاة، فيقتضي وقوعها بعد فرض رمضان، وذلك بعد الهجرة، وهو المطلوب.
ووقع في "تاريخ الإسلام": في السنة الأولى فُرِضت الزكاة. وقد أخرج البيهقيّ في "الدلائل" حديث أم سلمة المذكور من طريق "المغازي" لابن إسحاق" من طريق يونس ابن بُكير، عنه، وليس فيه ذكر الزكاة، وابن خزيمة أخرجه من حديث ابن إسحاق، لكن من طريق سلمة بن الفضل، عنه، وفي سلمة مقال (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحاصل أن الراجح أن فرض الزكاة كان بعد الهجرة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم فيمن تجب عليه الزكاة:
قال الإمام محمد بن رُشد -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه "بداية المجتهد، ونهاية المقتصد":
اتفقوا على أنها تجب على كل مسلم حرّ، بالغ، عاقل، مالك للنصاب، ملكًا تامًّا.
واختلفوا في وجوبها على اليتيم، والمجنون، والعبيد، وأهل الذمّة، والناقص الملك، مثل الذي عليه دينٌ، أو له الدين، ومثل المال المحبّس الأصل.
فأما الصغار، فإن قومًا قالوا: تجب عليهم الزكاة في أموالهم، وبه قال عمر، وعليّ، وابن عمر، وجابر، وعائشة، والحسن بن عليّ من الصحابة - رضي اللَّه عنهم -، وبه قال جابر بن زيد، وابن سيرين، وعطاء، ومجاهد، وربيعة، ومالك، والشافعيّ، والثوريّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وغيرهم من فقهاء الأمصار.
وقال قوم: ليس في مال اليتيم صدقة أصلاً. وبه قال النخعيّ، والحسن، وسعيد بن جبير، من التابعين.
وفرق قوم بين ما تخُرج الأرض، وبين ما لا تُخرجه، فقالوا: عليه الزكاة فيما تُخرجه الأرض، وليس عليه زكاة فيما عدا ذلك، من الماشية، والنّاضّ (?)، والعُرُوض، وغير