[قلت]: أجاب ابن الصلاح -رحمه اللَّه تعالى- بأن ذلك تقصير من بعض الرواة. وتُعُقّب بأنه يفضي إلى ارتفاع الوثوق بكثير من الأحاديث النبويّة؛ لاحتمال الزيادة والنقصان.

وأجاب الكرمانيّ بأن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر، ولهذا كرّرا في القرآن، فمن ثَمّ لم يُذكر الصوم والحجّ في هذا الحديث مع أنهما من أركان الإسلام. والسرّ في ذلك أن الصلاة والزكاة إذا وجبا على المكلّف لا يسقطان عنه أصلاً، بخلاف الصوم، فإنه يسقط بالفدية، والحجّ فإن الغير قد يقوم مقامه فيه كما في المعضوب (?)، ويحتمل أنه لم يكن شُرع انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الاحتمال الأخير باطلٌ، لما تقدّم آنفًا من أن بعث معاذ - رضي اللَّه عنه - كان متأخرًا. واللَّه تعالى أعلم.

وقال الحافظ: وأجاب شيخنا شيخ الإسلام- يريد البلقينيّ-: إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يُخلّ الشارع منه بشيء، كحديث ابن عمر: "بُني الإسلام على خمس"، فإذا كان في الدعاء إلى الإسلام اكتفى بالأركان الثلاثة: الشهادة، والصلاة، والزكاة، ولو كان بعد وجود فرض الصوم والحجّ، كقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} الآية [التوبة: 5 و11]، في موضعين من "براءة" مع أن نزولها بعد فرض الصوم والحجّ قطعًا، وحديث ابن عمر أيضًا: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتو الزكاة"، وغير ذلك من الأحاديث.

قال: والحكمة في ذلك أن الأركان الخمسة اعتقاديّ، وهو الشهادة، وبدنيّ، وهو الصلاة، وماليّ، وهو الزكاة، فاقتصر في الدعاء إلى الإسلام عليها لتفرّع الركنين الأخيرين عليها، فإن الصوم بدنيّ محض، والحجّ بدنيّ ماليٌّ. وأيضًا فكلمة الإسلام هي الأصل، وهي شاقّة على الكفّار، والصلوات شاقّة لتكرّرها، والزكاة شاقّة لما في جِبلّة الإنسان من حبّ المال، فإذا أذعن المرء لهذه الثلاثة كان ما سواها أسهل عليه بالنسبة إليها. انتهى (?).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله شيخ الإسلام البلقينيّ -رحمه اللَّه تعالى- حسنٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في السنة التي فُرضت فيها الزكاة:

ذهب الأكثرون إلى أنّ فرضيتها وقع بعد الهجرة، فقيل: كان في السنة الثانية، قبل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015