ابن عمرو، وقد كان أراد أن يصوم الدهر، فقال له: "صم من كلّ شهر ثلاثة أيام"، فقال: إني أقوى من ذلك، فلم يزل يرفعني حتى قال: "صم يومًا، وأفطر يومًا، فإنه أفضل الصيام، وهو صوم أخي داود"، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا أفضل من ذلك". هكذا في "الصحيحين" وغيرهما من حديثه.

وقد ثبت في "الصحيح" من حديث أنس - رضي اللَّه عنه - أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال للثلاثة الذين قال أحدهم: إنه يصوم، ولا يفطر، وقال الثاني: إنه يقوم الليل، ولا ينام، وقال الثالث: إنه لا يأتي النساء، فقال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أمّا أنا فأصوم، وأفطر، وأقوم، وأنام، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي، فليس مني". فهذا الحديث الصحيح يدلّ على أن صيام الدهر من الرَّغْبَة عن سنة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فيسحقّ فاعله ما رتبه عليه من الوعيد بقوله: "فمن رغب عن سنتي، فليس منّي".

وقد أخرج أحمد، وأبو داود، وابن ماجه أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال للرجل الذي أخبره أنه يصوم الدهر: "من أمرك أن تعذّب نفسك". انتهى كلام الشوكاني (?). وهو حسنٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث عبد اللَّه بن عمر - رضي اللَّه عنهما - هذا ضعيف (?)؛ لأن فيه انقطاعًا، كما سبق بيانه، وهو متفق عليه من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - رضي اللَّه عنهما -، كما سيأتي آخر الباب، إن شاء اللَّه تعالى.

(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له:

أخرجه هنا-71/ 2373 و 2374 و 2375 و 2376 - وفي "الكبرى" 73 م 2687 و 2688 و 2689 و 2690. واللَّه تعالى أعلم.

(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في حكم صوم الدهر:

ذهب إسحاق بن راهويه، وأهل الظاهر إلى كراهته مطلقا، سواء أفطر الأيام الخمسة المنهيّ عنها، وهي رواية عن أحمد، قال الأثرم: قيل لأبي عبد اللَّه: فَسَّرَ مسدّدٌ قول أبي موسى: "من صام الدهر ضُيّقت عليه جهنم": أي فلا يدخلها. فضحك، وقال: من قال هذا؟، فأين حديث عبد اللَّه بن عمرو أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - كره ذلك، وما فيه من الأحاديث (?).

وقال ابن حزم: لا يحلّ صوم الدهر أصلاً -يعني أنه يحرم.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه ابن حزم هو الحقّ عندي، كما يأتي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015