وهم كفّار، لأن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- قد أخبر أنه لا يغفر أن يُشرك به، وقال: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] فمن لم ينته عن شركه، ومات على كفره، لم يك مغفورا له، قال اللَّه تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء: 18].

قال: وهذا سائغ في لسان العرب أن يؤتى بلفظ الكلّ، والمراد البعض، فتقول العرب: لم يفعل كذا قطّ، يريد الأكثر من فعله. ألا ترى إلى قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا يضع عصاه عن عاتقه" يريد أن الضرب للنساء كان منه كثيرًا، لا أنّ عصاه كانت ليلاً ونهارًا على عاتقه. انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - الذي أخرجه أحمد، رجاله ثقات. واللَّه تعالى أعلم.

(حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ) ظرف للقول الذي بعده، لا للإسراف المتقدّم، وفي "الكبرى": "فحين حضرته الوفاة قال لأهله ... "، وفي حديث حذيفة التالي: "فلما حضرته الوفاة قال لأهله ... " (قَالَ: لِأَهْلِهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ) بكسر الميم، وضمها، من مات يَمَاتُ، كخاف يخاف، ومات يموت، كقال يقول.

وفي حديث أبي سعيد - رضي اللَّه عنه - عند البخاريّ: "أن رجلاً كان قبلكم رَغَسَه (?) اللَّه مالاً، فقال لبنيه لما حُضِر: أيَّ أَبٍ كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني لم أعمل خيرًا قط، فإذا أنا متّ ... ". ولهَ من حديث حذيفة - رضي اللَّه عنه -: "إن رجلاً حضره الموت، لما أيس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ، فاجمعوا لي حطبًا كثيرًا، ثم أَوْرُوا نارًا، حتى إذا أكلت لحمي، وخلصت إلى عظمي، فخذوها، فاطحنوها، فذرّوني في اليمّ، في يوم حارّ ... ".

(فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي) بفتح الحاء المهملة، أمر من سحق يسحق، كمنع يمنع، قيل: روي "اسحكوني"، واسهكوني"، والكل بمعنى واحد، وهو الدّقّ والطحن (ثُمَّ اذْرُوْنِي) بالذال المعجمة، ويجوز في همزه الوصل والقطع، يقال: ذرتْهُ الريحُ، وأذرتْهُ، تذرُوه، وتذرِيه: إذا أَطارته، ومنه تذرية العام. كذا ذكر في "المشارق"، و"النهاية": ذريت، وأذريت، بمعنىً. وقال في "الصحاح": ذريته: طيّرته، وأذهبته، وذَرَت الريحُ الترابَ، وغيره تذروه ذَرْوًا، وذَرْيًا: أي سَفَتْهُ، ومنه قولهم: ذَرَى الناسُ الحنطةَ، ثم قال: وأذريت الشيءَ: إذا ألقيته كإلقائك الحبّ للزرع، وطعنَهُ، فأذراه عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015