ونحوهما، احتياطا، حيث شك فيها، هل هي "سمعت النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -"، أو "قال النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -"، أو "عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -"، أو نحو ذلك، فأتى بصيغة تشمل جميع ذلك. واللَّه تعالى أعلم.

قال الحافظ وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ما حاصله: أخرج هذا الحديث الأئمة الستة من هذا الوجه، من رواية سفيان بن عُيينة، عن الزهريّ، عن سعيد، عن أبي هريرة، وفي روايتهم التصريح برفعه إلى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، إلا أن في رواية أبي داود، والترمذيّ، والنسائيّ: "يبلغ به النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -"، كما هو اللفظ الأخير هنا (?) وقوله في اللفظ الأول هنا: "روايةً" كناية عن الرفع إلى النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بلا خلاف أعلمه انتهى (?).

(قَالَ: "أَسْرِعُوا) أمر من الإسراع، والمرد به الإسراع المتوسط بين شدة السعي، وبين المشي المعتاد، بدليل حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - الآتي: "وإنا لنكاد نَرْمُلُ بالجنازة رملًا"، إذ مقاربة الرمل ليس بالسعي الشديد، كما قاله الحافظ العراقي -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى، وسيأتي أقوال أهل العلم في الإسراع بالمشي في المسألة الرابعة، إن شاء اللَّه تعالى.

(بِالْجَنَازَةِ) أي بحملها، متعلق بـ "أسرعوا".

قال العلامة ابن الملقّن -رَحِمَهُ اللَّهُ-: من قال: الجنازة بالفتح للميت، وبالكسر للنعش، كما قدّمنا أول الباب يتعيّن عنده هنا قراءة قوله: "أسرعوا بالجنازة" بالفتح، لأن المقصود الإسراع بالميت، لا النعش، ويدلّ على ذلك آخر الحديث انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن المناسب هنا الكسر، لأن الجِنَازة بالكسر اسم للنعش، وعليه الميت، كما هو القول الراجح من أقوال أهل اللغة، والمقصود هنا الإسراع بالنعش، وعليه الميت، إذ لا معنى للإسراع بحمل الميت إلا مع النعش، فليُتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.

قال: المراد بالإسراع هنا الإسراع بالميت، كما قلناه، فيتضمّن الأمر بحمله إلى قبره، وهو فرض كفاية. وقيل: المراد به الإسراع بتجهيزه بعد موته، لئلا يتغيّر، والأول أظهر، وعليه الجمهور.

قال النوويّ: والثاني باطل، مردود بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فشرّ تضعونه عن رقابكم".

وقال القرطبيّ: لا يبعد أن يكون كلّ واحد منهما مطلوبا، إذ مقتضاه مطلق الإسراع، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يقيّده بقيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015