وذكر الماورديّ أن بعض أصحاب الحديث خرّج لهذا الحديث مائة وعشرين طريقًا.
قال الحافظ: وليس ذلك ببعيد. وقد أجاب أحمد عنه بأنه منسوخ، وكذا جزم بذلك أبو داود، ويدلّ له ما رواه البيهقيّ عن الحاكم، عن أبي عليّ الحافظ، عن أبي العباس الهمدانيّ الحافظ، ثنا أبو شيبة، ثنا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ليس عليكم في غَسل ميتكم غُسْل، إذا غسلتموه، إن ميتكم يموت طاهرًا، وليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم". قال البيهقيّ: هذا ضعيف، والحمل فيه على أبي شيبة.
قال الحافظ: أبو شيبة هو إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، احتجّ به النسائيّ، ووثقه الناس، ومَن فوقه احتجّ بهم البخاريّ، وأبو العباس، هو ابن عقدة حافظ كبير، إنما تكلّموا فيه بسبب المذهب، ولأمور أخرى، ولم يضعفه بسبب المتون أصلاً، فالإسناد حسن، فيجمع بينه وبين الأمر في حديث أبي هريرة بأن الأمر على الندب، أو المراد بالغسل غسل الأيدي، كما صرّح به في هذا.
قلت (?): ويؤيد أن الأمر فيه للندب ما رواه الخطيب في ترجمة محمد بن عبد اللَّه المخرِّميّ من طريق عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، قال: قال لي أبي: كتبتَ حديث عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر: "كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل، ومنا من لا يغتسل"؟. قال: قلت: لا، قال: في ذلك الجانب شابّ، يقال له: محمد بن عبد اللَّه، يحدّث به، عن أبي هشام المخزوميّ، عن وهيب، فاكتبه عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح، وهو أحسن ما جمع به بين مختلف هذه الأحاديث، واللَّه أعلم انتهى كلام الحافظ في التلخيص" (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: لقد أجاد الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في تحقيق الكلام على هذا الحديث، وأفاد، وخلاصته أن حديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، مرفوعًا: "من غسل ميتا، فليغتسل .... " حسنه الترمذيّ، وصححه ابن حبّان، وابن القطان، واحتجّ به ابن حزم، فالراجح أنه صحيح، لكنه محمول على الاستحباب لحديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، مرفوعًا: "ليس عليكم في غسل ميتكم غسل ... " الحديث، وأثر ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -: "كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل ... " الحديث، وكلاهما ثابتان، فالعمل بكلها متعيّن.
والحاصل أن المذهب الصحيح هو القول باستحباب الغسل من غسل الميت، والوضوء من حمله عملا بكلّ الأحاديث. ثم إن الراجح أن الأمر فيه تعبّديّ، والقول