العمل به. ومنها: مشروعية الإيتار في غسل الميت على حسب الحاجة، كما سبق.
ومنها: تفويض الحاجة في ذلك إلى العامل على حسب المصلحة الشرعية، من غير إسراف. ومنها: التبرّك بآثار رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -. ومنها: جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الرابعة: في اختلاف أهل العلم في وجوب غسل من غسل ميتًا:
(اعلم): أنه استدلّ بعض أهل العلم بهذا الحديث على أنه لا يجب الغُسل على من غَسَلَ الميت، من حيث إنه موضع تعليم، فلو وجب لذكره النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، قال العلامة ابن الملَقِّن -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وعدم الوجوب هو الصحيح، من مذهب الشافعي، ورواية المدنيين عن مالك، وهو قول أبي حنيفة، وأحمد، والجمهور، لكن قال الخطابي: لا أعلم أحدًا قال بوجوبه (?). وأوجب أحمد، وإسحاق الوضوء منه، والجمهور على استحبابه.
والحديث المرويّ فيه من طريق أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -: "من غسل ميتا فليغتسل، ومن مسّه فليتوضأ". ضعيف بالاتفاق، كذا قال النووي في "شرح مسلم"، وتبعه بعض شراح هذا الكتاب يعني "عمدة الأحكام" وليس بجيد، فقد حسّنه الترمذيّ، وصححه ابن حبّان، وابن السكن. وقال البخاريّ: الأشبه وقفه على أبي هريرة.
ويحمل على الاستحباب بدليل حديث ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ليس عليكم في غسل ميتكم غسل، إذا غسلتموه، فإن ميتكم ليس بنجس". رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: صحيح على شرط البخاريّ، ثم قال: وفيه ردّ لحديث أبي هريرة الذي أسلفناه، وليس كما قال، بل يُعمل بهما، فيستحبّ الغسل، فإذا قلنا بالوجوب، فقيل: تعبّد، وقيل: محمول على نجاسة بدن الآدمي بالموت، وهو قول بعضهم. وقيل: المعنى فيه حرمة الميت، حكاه الماورديّ. انتهى كلام ابن الملقّن -رحمه اللَّه تعالى- (?).
وقال البغويّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح السنة":
واختلف أهل العلم في الغسل من غسل الميت، فذهب بعضهم إلى وجوبه، وذهب أكثرهم إلى أنه غير واجب، قال ابن عمر، وابن عباس - رضي اللَّه عنهما -: ليس على غاسل الميت غسل. وروي عن عبد اللَّه بن أبي بكر، عن أسماء بنت عُميس امرأة أبي بكر أنها غسلت أبا بكر حين توفي، فسألت من حضرها من المهاجرين، فقالت: إني صائمة، وهذا يوم