ففي "الموطإ" عن عمر - رضي اللَّه عنه - أنه قال: "اللهم كبرت سني، وضعفت قوّتي، وانتشرت رعيّتي، فاقبضني إليك غير مضيّع، ولا مفرط". وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر، عن عمر - رضي اللَّه عنه -. وأخرجه أحمد وغيره من طريق عبس، ويقال: عابس الغفاريّ أنه قال: يا طاعون خذني، فقال له عليم الكنديّ (?): لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: لا يتمنّينّ أحدكم الموت؟، فقال: إني سمعته يقول: بادروا بالموت ستّا، إمرة السفهاء، وكثرة الشُّرَط، وبيع الحكم ... الحديث.

وأخرج أحمد أيضًا من حديث عوف بن مالك نحوه، وأنه قيل له: ألم يقل رسول

اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ما عُمّر المسلم كان خيرا له ... " الحديث، وفيه الجواب نحوه. وأصرح منه في ذلك حديث معاذ - رضي اللَّه عنه - الذي أخرجه أبو داود، وصححه الحاكم في القول في دبر كلّ صلاة، وفيه: "وإذا أردت بقوم فتنة، فتوفّني إليك غير مفتون". قاله في "الفتح" (?).

(وَلَكِنْ لِيَقُلِ) وفي رواية للبخاريّ: "فإن كان لا بُدّ فاعلا، فليقل ... "، وفي لفظ له: "فإن كان ولا بدّ متمنيًا للموت، فليقل ... " الحديث. أي فلا يتمنّ صريحًا، بل يعدل عنه إلى التعليق بوجود الخير فيه.

قال في "الفتح": وهذا يدلّ على أن النهي عن تمنّي الموت مقيّد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة، لأن في التمنّي المطلق نوع اعتراض، ومراغمة للقدر المحتوم، وفي هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض، وتسليم للقضاء.

قال: وفي قوله: "فإن كان، لا بدّ الخ" ما يَصرِفُ الأمرَ عن حقيقته من الوجوب، أو الاستحباب، ويدلّ على أنه لمطلق الإذن، لأن الأمر بعد الحظر لا يبقى على حقيقته، وقريب من هذا السياق ما أخرجه أصحاب "السنن" من حديث المقدام بن معد يكرب: "حسبُ ابن آدم لُقيمات يُقمن صُلبه، فإن كان ولا بدّ، فثلث للطعام ... " الحديث، أي إذا كان لا بدّ من الزيادة على اللُّقيمات، فليقتصر على الثلث، فهو إذنٌ بالاقتصار على الثلث، لا أمر يقتضي الوجوب، ولا الاستحباب انتهى (?).

(اللهُمّ أَحْيِنِي) أي أبقني على الحياة (مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ)، "ما" مصدرية ظرفية، أي مدّة كون الحياة (خيرًا لي) أي من الموت، وهو أن تكون الطاعة غالبة على المعصية، والأزمنة خالية عن الفتن والمحن (وَتَوَفّني) أي أمتني (إذَا كَانَتِ الْوفَاةُ خَيْرًا لي) أي من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015