وأما قول ابن بزيزة: جوابه بقوله: "مثنى" يدلّ على أنه فهم من السائل طلب كيفية العدد، لا مطلق الكيفية، ففيه نظر، وأولى ما فُسّر به الحديث من الحديث.

واستُدلّ بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعًا، وهو عن الحنفية، وإسحاق. وتعقّب بأنه مفهوم لقب، وليس بحجة على الراجح، وعلى تقدير الأخذ به، فليس بمنحصر في أربع، وبأنه خرج جوابًا للسؤال عن صلاة الليل، فقيد الجواب بذلك، مطابقة للسؤال، وبأنه قد تبيّن من الحديث السابق "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" أن حكم المسكوت عنه حكم المنطوق به، لكن قد عرفت ما في الحديث من الكلام. واللَّه تعالى أعلم.

وقوله: "فإذا خشيت الصبح" وفي رواية نافع الآتية: "فإذا خشي أحدكم الصبح". استُدلّ به على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر، وأصرح منه ما رواه أبو داود، والنسائي، وصححه أبو عوانة، وغيره من طريق سليمان بن موسى، عن نافع أنه حدّثه أن ابن عمر كان يقول: "من صلى من الليل، فليجعل آخر صلاته وترًا، فإن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يأمر بذلك، فإذا كان الفجر، فقد ذهب كلّ صلاة الليل والوتر" (?).

وفي "صحيح ابن خُزيمة" من طريق قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، مرفوعًا: "من أدركه الصبح، ولم يوتر، فلا وتر له". وهذا محمول على التعمد، أو على أنه لا يقع أداء، لما رواه أبو داود (?) من حديث أبي سعيد أيضًا مرفوعًا: "من نسي الوتر، أو نام عنه، فليصلّه إذا ذكر".

وقيل: معنى قوله: "إذا خشي أحدكم الصبح -أي وهو في شفع- فلينصرف على وتر. وهذا ينبني على أن الوتر لا يفتقر إلى نية.

وحكى ابن المنذر عن جماعة من السلف أن الذي يخرج بالفجر وقته الاختياريّ، ويبقى وقت الضرورة إلى قيام صلاة الصبح. وحكاه القرطبيّ عن مالك، والشافعيّ، وأحمد، وإنما قاله الشافعيّ في القديم. وقال ابن قُدَامة: لا ينبغي لأحد أن يتعمّد ترك الوتر حتى يُصبح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015