فراشة!

لله أنت، يا فراشة، جسم ضعيف، وإهاب لطيف، وجناح شفيف، ولكن أثرك في النفس كبير، وإيحاؤك للقلب عميق، وصورتك للعين باهرة، من أين أقبلت، يا فراشة؟

من روض غني با لزهور والعطور خارج أسوار هذا السجن؟

أم من هذه الأصص الصغيرة المرصوفة المكونة من علب الصفيح، التي زرعتها ونسقتها وألفت من مجموعها روضا حاليا بالزهر، نافحا بالعطر، أنامل بستانيين مهرة من هؤلاء المحكوم عليهم بالحرمان من أوطانهم، والإقامة في هذه الرقعة الصغيرة المسورة بالأسلاك المحروسة بالجند، التي تسمى المعتقل؟

ومن أي شيء صاغ الله إهابك هذا اللطيف، وجناحك هذا الشفيف؟

من نعومة الحرير، أم من نضرة الزهور، أم من رقة الخدود والنحور؟

وما هذا التطواف الدائب الذي لا يقف ولا يفتر، بكل باسم من الزهر، أو حال من الشجر، أو زاه من العشب، كأنما أنت عاشق لا يمل قرب من يحب، ولا يرتوي

صداه من النظر إليه، ولا تشبع نهمته من لثم شفتيه؟

لله أنت، يا فراشة، ما أبدع تكوينك، وما أروع سحرك وما أحبك إلى النفس الحساسة المولعة بكل رائع جميل، فكأنما لفرط رقتك وشفافيتك وسحر ألوانك، وخفة حركتك، وسرعة تنقلك، قطعة ملونة متموجة مضطربة من الهواء الرقيق المنعش، لا يراها إلا شاعر بعين الخيال، ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015