أنت صديقي العزيز يا قلم، كم أزحت بك من ألم! وأطرت من سأم!!
وكم جلوت بك للشعر عرائس، وخططت على الورق حدائق، كم قطفت بك من رياض الكتب أزهارا. وجنيت من بساتين الأفكار ثمارا. كنت لي خير شفيع إلى من أحب. ونعم الترجمان عما أكن.
كم حفظت بك من ذكريات، وسجلت من مشاهد، ودونت من معارف.
إن سنك -يا قلم- لأعظم قدرا، وأكبر جدوى من سن المحراث فإذا كان المحراث يقوت بطونا، فأنت تقوت عقولا، ولئن كنت دون المحراث حجما، وكنت منه أضعف جسما، فإن فيما تنتج من بدائع الفكر، وروائع الفن، وحقائق العلم، لأعظم دليل على أن الأشياء لا تقوم بكبر الأحجام وعظم الأجسام وإنما تقوم بالنتائج والآثار، وإنك لأعظم في الأثر، وأجل في الخطر، من المطر، وأخلد على الزمن، من الزمن، لله أنت -يا قلم- لولاك لما كان للبشرية تاريخ، ولما اتصل ماضيها بحاضرها، ولما انتفع آخرها بتجاريب أولها، لله أنت -يا قلم- تغمس منقارك الذهبي في المادة السوداء، ثم تسعى على الرقعة البيضاء، فتأتي بالمعجزة الكبرى.
إذ تخلق كائنات حية عجيبة تتكلم وهي صامة، وتخبر عن قديم العصور وسحيق الدهور، وتتحدث عن اكتشافات الفلك، واختراعات العلم، وابتكارات الشعر، ودقائق الفلسفه، فتجعل من الورق روضة للعين، ونزهة للقلب ومدرسة للفكر، وتراثا خالدا تتداوله الأيدي، وتتوارثه الأجيال ...
لله أنت يا قلم، إذ أراك تسبق الرصاصة إلى الطريق.
فإذا كانت الرصاصة قدحت زناد الثورة، فأنت خططت برامجها ورسمت أهدافها فكنت صاحب الخطوة الأولى في طريق التحرير ...