نفسها، فرجلت شعرها وقسمته ضفيرتين وأرسلت به على الكتفين، ثم تناولت سلتها وأخذ تسمتها إلى السوق في تصون وخفر، لتعود بها مملوءة خضرا وفاكهة.

وذلك العامل الكادح الذي يهب من نومه لعمل يومه، فيعول أهله ويعلم طفله ويعد منه للوطن مواطنا صالحا وجنديا باسلا.

سماؤك -يا وطني- أصفى سماء، وشمسك أسطع شمس، وبحرك أجمل بحر، وجبالك أمنع الجبال، وصحاراك أجل الصحارى وتربتك أخصب تربة، وثمارك أشهى الثمار، وأبناؤك أبر الأبناء فأنت خير الأوطان.

إن عملي لك، ودفاعي عنك، وتحريري كل شبر من أرضك، وموتي من أجلك، ونومي في ثراك، هي كل ما يجول في رأسي من أفكار، ويختلج في قلبي من آمال، ويتردد على لساني من نجوى يتمثل في حركاتي من أعمال.

لقد زاحمني فيك -يا وطني- حليف جشع، وأسير طمع، لم ينبت في أرضك، ولم ينحدر من صلبك، ولم يجر في عروقه دم أبطالك، إنما رمى به حب الاستعمار، من وراء البحار، ليصبح شجى في الخلق وقذى في العين، وكابوسا على الصدر، فدافعته بالحسنى فلم ينفع، وقاومته بالمنطق فلم ينجح، فامتشقت السلاح، وصممت على الكفاح وأعلنت الثورة.

فلم يحترم ثورتي ولم يعترف بحريتي، وقابل النار بالنار، وواجه الحديد بالحديد، فلم تزدد الثورة إلا ضراما، ولم تزدد الخصومة إلا عراما، ولم يكن خصمي شريفا، فأقصاني عنك وحرمني منك وجعل حرماني من قربك عقابا لي على حبك.

ولكن كن واثقا يا وطني بأنني سأطهر أرضك من أقدام هذا الطفيلي الوقح، وسأعود إليك وفي يدي نسيج رايتك، وعلى لساني نشيد حريتك.

فانعم بالا، وقر عينا، ولا تكترث بأعدائك، فأنا جنديك الباسل، وابنك البار،

وخادمك الأمين ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015