إدخاله فيما يرى بمعرفة لا بجهالة أو وقف عليه فلم يباله، فلا أرى أن تجوز شهادته ويهدم بنيانه إذا أضر جدًا، وإن كانت الطريق واسعة جدًا كثيرًا، وكان الذي أخذ الشيء اليسير جدًا الذي لا يضر، ولا يكون فسادًا في صغر ما أخذ وسعة الطريق وكثرته فلا أرى أن يهدم بنيانه ولا يعرض له.
وقد سألت أشهب عنها بعينها، ونزلت عندنا فكان هذا رأي فيها، وسألته عنها فقال مثله، فهذا رحمك الله قولان مختلفان، كفيانا الجواب وحملاه عنا، ولك الأخذ بأحدهما واختيار أحبهما إليك وأوقعهما بقلبك، ولو ركبت إلى الموضع للمعاينة والتشفي بالروية لكان صوابًا إن شاء الله، فقد ركب القضاء قبلك لما فيه من صلاح المسلمين، فأصلح الله بك على يديك، ونفع المسلمين نظرك.
قال القاضي: يحيى بن محمد بن عبد العزيز هذا يعرف بابن الحراز، سمع من رجال الأندلس ثم رحل وحد سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وسمع هناك من جماعة مبصر وغيرها كمحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وغيره، ثم رجع وتوفي سنة سبع وسبعين ومائتين، وكان فاضلاً رحمه الله.
وقال سعد بن معاذ: يهدم كل ما اقتطع من سكك المسلمين، ولو جاز لأهل جانب السكة التوسع فيها لجاز لأصحاب الجانب الآخر أن يأخذوا مثله، فإذا بسكك المسلمين قد ضاقت بهم، وإنما السكك من جهة الأحباس التي حبسها المسلمون لمنافعهم، وفي حديث عمر (رضي الله عنه) إذا أمر بهدم كثير الحداد، وهو أقل ضررًا من اقتطاع كثير من طريق المسلمين ما تكتفي به. وقد سئل ابن القاسم عن مسرح مواشي أهل قرية نشط إليه بعضهم ليعمره، فكره ذلك ولم يره لهم، ورأى أن يترك المسرح كما هو، فكيف بمحجة المسلمين التي تخرج عليها عساكر المسلمين إلى عدوهم، وهي مجمع رفاق أمصارهم؟ فأرى أن يقدم الشهود الذين شهدوا فيما اقتطع من المحجة فيحوزونه، ثم يهدم ما اجتمعوا عليه من ذلك بعد الإعذار إلى سعيد في البينة.
وإن كان لمثل ما أدخل من المحجة له كراء غرمة المقتطع له، وقد قال الله عز وجل: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} (الزمر: من الآية 18) وينبغي للحكام أن يضربوا الأقاويل بعضها ببعض، فيأخذوا فيها بالأوثق مما قاله أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أو ممن كان