قال ابن الماجشون: هذا كله في أهل الصلح من أهل الجزية، وأما أهل العنوة لا يترك لهم عند ضرب الجزية عليهم كنيسة إلا هدمت، ولا يتركون أن يحدثوها وإن كانوا معتزلين عن جماعة المسلمين؛ لأنهم كعبيد المسلمين، وليس لهم عهد يوفي لهم به، وإنما صار لهم عهد حرمت به دماؤهم حين أخذت منهم الجزية.
وفي كتاب الجعل من المدونة قال ابن القاسم: عن مالك: لا تتخذ النصارى الكنائس في بلاد الإسلام إلا أن يكون هلم أمر أعطوه، قال ابن القاسم: لا يمنعوا من ذلك في قراهم التي صولحوا عليها لأنها بلادهم يبيعون إن شاءوا أرضهم ودورهم، إلا أن تكون بلاد عنوة فليس لهم أن يحدثوا فيها شيئًا؛ لأنهم ليس لهم أن يبيعوها ولا يورثوها، وهي فيء للمسلمين وإن أسلموا انتزعت منهم.
وقال غيره: لا يمنعوا من كنائسهم التي في قراهم التي أقروا فيها بعد افتتاحها عنوة، ولا من أن يتخذوا فيها كنائس؛ لأنهم أقروا فيها على ذمتهم، وعلى ما يجوز لهم فعله وليس عليهم فيها خراج إنما الخراج على الأرض.
وفي الكلاب: فهمنا – وفقك الله – ما كشفت عنه من أمر الكلاب المخذة في الحضرة، فإنها ربما أذت وعقرت وأحدثت من جراح الصبيان ما يكون ضررًا، وما شكى إليك من ذلك وكثر به الشكوى ممن ابتلى، فالذي يجب في ذلك – وفقك الله – أن تأمر بقتلها إلا ما كان من كلب صيد أو زرع أو ماشية؛ فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "من اقتنى كلبًا إلا كلب ماشية أو زرع أو صيد أحبط من أجره قيراط (?) ".
وجاء عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه أمر بقتل الكلاب، فمر رسوله ببيت امرأة عمياء لها كلب فأراد قتله، فاعترضت امرأة فقالت: إني كما ترى عمياء، فهو يطرد عني السباع ويؤذنني بالإذن، فعاد إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فأعلمه أمرها فأمره بقتلها، ولم ير لها عذرًا فيما اعتذرت به. قال بذلك محمد بن عمر بن لبابة ومن حضرنا من أهل اعلم، وفي مسائل حبيب عن سحنون في كلاب أهل المواشي في البوادي يتخذونها في دورهم خوف السرق أنه يقتل، وقال في الكلب لصيد التلذذ لا يحل كسبه، ولا يقتل أيضًا.