ومكانه معلومة، وإنما نحن بشر، والنقصان فينا غير ينكر، وهذه المسألة، وما أفتوا به من ذلك المعنى الذي نبهنا عليه وأشرنا إليه، والرغبة في الإعراب عن الصواب تحمل على ذلك سقوطهم في السؤال والجواب، فمن ذلك في هذه المسألة قولهم: فهمنا أن هشيمة قامت بعد أن ثبت عندك مموت أبيها وعدة ورثته، وإنما صوابه أن هشيمة قامت عندك وأثبتت موت أبيها ووراثته ورافقت إليك ابن عمها فلانًا.
أو كانوا يقولون أن هشيمة أثبتت عندك موت أبيها ووراثته، وقامت على ابن عمها فلان في كذا أو نحوها، مما يقتضي أن قيامها كان بسببه ثبوت موت أبيها، وأما على ما سطروه فغنما يعطي أنها لم تكلف هي إثبات موت أبيها وعدة ورثته، وإنما أثبته مثبت، ثم قامت هي مازعة لابن عمها دون أن تكلف هي إثبات ذلك، وطريقة الحم التي بها مضى العمل أن على كل من طلب حقًا بسبب ميت أن يكلف إثبات موته وعدة ورثته، وإن كان موته مشهورًا عند الحكم وغيره، وسلكوا هذا السبيل في جوابهم، فقالوا: فيجب عند ذلك اعتقال الأحقال بعد الإعذار، وهذا محال، إنما الإعذار بعد الاعتقال.
وقد تقدم لهم نحو هذا المقال، وإنكارنا له هناك أبين ومن ذلك قولهم: ما أمرت به هشيمة من إعادة البينة صواب واجب، بل ذلك تكليف غير واجب، وإلزام غير لازم، إذ لا فائدة في إعادة الشهادة فيما قد شهد به عنده، إذ هو نفس المطلوب عند ذلك القاضي بعينه، وهو باق على خطته لم يعزل عنها، ولا حل سواه فيها، وقد كان يلزمه إذ أمر بترك النظر فيما بينهما ألا يأتمر حتى يعزل إن كان قد بان لها حق قبل خصمها، ولا ينظر في قول الأمير.
وهكذا ذكره ابن حبيب عن أصبغ في كتابه، وأما إن كان أمره بالكف عن النظر بينهما قبل أن يلوح الحق لطالبه في مبتدأ أمرهما فله أن يدعهما، وفي هذا الجواب الاعتقال بشاهد واحد، وقد ذكرناه بما فيه من التنازع في أول الكتاب والله الموفق للصواب.
مشورة أخرى في أمر بني مزين:
فهمنا – وفقك الله – ما تنازع فيه جعفر بن يحيى، وهشيمة ابنة سعيد بن يحيى، ومن إقرار جعفر أنه إذا ثبت ملك سعيد كما ذكت البينة، وادعى أحد ورثة سعيد ملكًا مستفادًا غير ما ورث عن أبيه، فعليه إثبات غير ما ورث مما استفاد، وإلا فالمال للمورث، هذا الذي أدركنا عليه أحكام القضاة ببلدنا. قاله ابن لبابة، ومحمد بن وليد.