ويجلب الصبح لي ممَّا أساء به ... بياض شعر فيا فرقي ويا فَرقي
بنيّ إن تُسْقَ كاسات الحمام فكم ... مليك حسن كما شاء الزمان سقي
بنيّ إن الرَّدى كأس على أممٍ ... ما بين مصطبح منها ومغتبق
وللهلال على الأعمار قاطبة ... فتر يحاول منها كلّ مختنق
والعمر ميدان سبق والحمام له ... مدىً وكلّ الورى جارٍ على طلق
ما ردّ سيف الرَّدى سيفُ ابن ذي يزن ... ولا نجا تبّع في الزعف والحلق
ولا احتمى عنه ذو سنداد في شرف ... ولا اختفت دونه الزَّباء في نفق
كم نائحٍ كالصدى مثلي على ولدٍ ... يقول واحرقي إن قلت واحرقي
ولا كمثليَ في حزنٍ فُجِعتُ به ... لكن أعلق صدري فيه بالعُلق
أدنيت للطرفِ قبراً أنت ساكنه ... عسى أساعد في شجوي وفي قلقي
بالرغم إن باتَ بدر الأفق معتلياً ... وبات بدريَ مدفوناً على الطرق
كأنني لم أغنِّي الليل من طربٍ ... ليل الحمى بات بدري فيكَ معتنقي
يا ترب كم من فُتورٍ قد نثرت بها ... أعضاء حسن كمثل اللؤلؤ النسق
وكم تركت بها كفًّ بلا عضد ... وقد توسَّدها رأسٌ بلا عنق
آهاً لها حسرات لو رميت بها ... ثهلانَ خلّ حصاة القلب لم يطق
وأوجهاً كخلاص التبر قد جليت ... على الحمام عليها لؤلؤ العرق
كانت رياضاً لمستجلٍ فما تركت ... منها الليالي سوى ذكر لمنتشق
بنيّ ليتك لم تعرف ولاءك في ... حبِّي فرحت بدمعي شاكيَ الغرق
وليت نجمك لم يشرق على سحري ... وليت برقك لم يومض على أفقي
ما كان أقصر أوقاتٍ بك استرقت ... فليتَ عمريَ مقطوعٌ على السرق
ما كان أهداك في السنّ الصغير إلى ... فضلٍ تجمَّع فيه كلّ مفترق
فإن يغب منك عن جفني عطارده ... فقد رسيت بفكر فيه محترقي
مضيت حيث بقايا العمر تضعف لي ... واطول حزنيَ ممَّا قد مضى وبقي
لا أهملتك عيونُ السحب هاملة ... ولا بعينيك ما يلقى الحشا ولقي
فما أظنُّك ترضى حالة نعمت ... وإن قلبي بنيران الهموم شقي
قد أخلقت جسدِي أيدي الأسى فمتى ... للأرضِ ترمي بهذا الملبَسِ الخلِق