لَئِن باتَ مَهجورَ المَحَلِّ عِراقُهُ ... فَقَد باتَ مَأنوسَ المَحَلِّ شآمُهُ
وَهَل هُوَ إِلّا الغَيثُ حَلَّت رِهامُهُ ... مَكاناً وَمالَت عَن مَكانٍ رِهامُهُ
فَلا يُبعِدِ اللَهُ الهُمامَ فَإِنَّهُ ... يَغِيبُ وَلَكِن لا يَغِيبُ اِهتِمامُهُ
سَقى كُلَّ دارٍ حَلَّها كُلُّ مُدجِنِ ... كَأَنَّ ابتِسامَ البَرقِ فيها اِبتِسامُهُ
يَسِحُّ شِمالِيَّ المُصَلّى فَيَستَوي ... بِما سَحَّ مِنهُ خَلفُهُ وَأَمامُهُ
وَيُمرِعُ بابُ الشامِ أَو تَكتَسي الحَيا ... رُباهُ اللَواتي حَولَهُ وَإِكامُهُ
وَيُصبِحُ مَيدانُ القُصورِ مُرَوَّضاً ... يَضُوعُ نَسيماً رَندُهُ وَبَشامُهُ
وَيُكسى بِهِ سُورُ المَدينَةِ مِطرَفاً ... مِنَ النَورِ لَم يَنسُجهُ إِلّا غَمامُهُ
إِذا اعتَمَّ بِالنَوّارِ بُرجٌ ظَنَتَهُ ... مِنَ البُزلِ عَوداً شابَ مِنهُ سَنامُهُ
لَقَد حَلَّ تِلكَ الأَرضَ مَن لَو رَأَى بِها ... مَكارِمَهُ المَنصورُ طالَ اِحتِشامُهُ
بَنى ذاكَ بُنياناً تَهَدَّمَ بَعدَهُ ... وَهَذا بَنى ما لا يُخافُ اِنهِدامُهُ
وَلَو شاهَدَ المَأمُونُ بَعضَ زَمانِهِ ... لَما كانَ مَأمُوناً عَلَيهِ حِمامُهُ
وَمُعتَصِمٌ بِاللَهِ لَو عاشَ لَم يَكُن ... بِغَيرِ ثِمالٍ في الخُطوبِ اعتِصامُهُ