يكن لهم من هدف في بداية أمرهم سوى تحقيق فكرتهم في واقع الحياة ونشرها في العالمين.
ولما نجح عبد المؤمن في الانتقال بالدعوة من الثورة إلى نظام الدولة رافق ذلك تبدل في مفهومه الاساسي، فنقل الدولة من دولة الفكرة إلى دولة الوراثة، فكان انحراف في المبادئ التي قامت عليها فكرة الموحدين، لأن دولة الفكرة والمبادئ تقدم على مؤسساتها من يؤمن بالفكرة والمنهج والمبادئ التي قامت عليها ويلتزمها وتبعد من يحيد عنها. ولكن دولة الوراثة لا تنظر إلا في تقديم من يثبت اقدامها، ولهذا استقدم عبد المؤمن قبيلة كومية متقويا بهم وولاهم المناصب في الدولة، واصبحوا متقدمين على كثير من الموحدين، ولم تكن كومية مؤمنة بأفكار الدولة الاساسية بل خاضعة لسيادة الدولة، ولهذا فإن كثيرا ممن قدم منهم كان يسعى لمصلحة نفسه غير مهتم بافكار لم يؤمن بها ومع تقادم الزمن ضعفت الفكرة في النفوس وذبل الايمان في القلوب فدب النزاع على المصالح الخاصة كما يصور ذلك خير تصوير النزاع على العرش واستبداد مراكز القوة المختلفة في الدولة.
ويبدو أن الخلفاء أنفسهم فقدوا الايمان بالفكرة فالمنصور يصرح بذلك لخاصته والمأمون يمحوا آثارها ويزيل رسومها ويبدو أن هذا التحول قد بدأ في أيام عبد المؤمن، ومع مرور الأيام حدث انفصام بين الفكرة والدولة، فتجسد ذلك عمليا في خلافة المستنصر، وقام على مرتكز نظري في عهد المأمون ولاريب أن الفكر ان لم يداوم اصحابه عليه يتحجر ويغدو آفة عليهم (?).