المبحث الثاني
أهم أسباب ودوافع الصليبيين
كان المجتمع الأوربي الغربي في هذه الفترة تسوده المنازعات والحروب المحلية بين الأمراء الإقطاعيين مما يساعد على ازدياد سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في الغرب الأوربي (?)، كما كان للصراعات القائمة بين رأسي العالم المسيحي الغربي حينذاك، وهما البابا والأمبراطور أثر كبير في مجريات الأحداث الأوربية، فلقد بلغت البابوية درجة عظيمة من القوة واتساع النفوذ في هذه الفترة، مما فتح أمامها المجال لكي تصبح القوة العالمية بمعنى أن يكون البابا هو الزعيم الروحي لجميع المسيحيين في الشرق والغرب على حد سواء (?)، بجانب الخلافات المستمرة الموجودة بين الكنيستين الأرثوذكسية الشرقية والكاثوليكية الغربية، إذ أصرت كل منهما على أن تسود وجهة نظرها, وأن تكون لها الأولوية على الأخرى, ولهذا السبب عندما عرضت فكرة الحرب المقدسة على البابا أوربان الثاني (471 - 491هـ) (1078 - 1097م) وجد في تنفيذها فرصة كبيرة لإنهاء الخلاف بين الكنيستين والسيطرة على الكنسية الأرثوذكسية الشرقية وإدماجها في الكنسية الغربية تحت زعامته، على أن يتم ذلك كله تحت ستار محاربة المسلمين وحماية البيزنطيين واسترداد الأراضي المقدسة في فلسطين (?)
, هذا بالإضافة إلى أغراض أخرى عديدة كانت البابوية ترغب في تحقيقها من وراء تمسكها بفكرة الحرب المقدسة، منها التخلص من نفوذ كبار رجال الإقطاع في الغرب، وإنهاء الحروب المستمرة عن طريق توجيه هذه الطاقات واستغلالها في الحرب المقدسة، علها تفتح لهم بذلك منفذا لحياة أفضل في الشرق بدون منازعات (?). وقد اختلفت الآراء في تفسير طبيعة الحركة الصليبية والدوافع الكامنة وراءها؛ فمنها ما هو مادي والبعض يرى أنها وليدة الحماس أو التعصب الديني الذي عرفت به أوربا في العصور الوسطى، وأن الباعث الحقيقي لتلك الحروب كان في الواقع هو الهوس الديني الممزوج بأغراض أخرى كالميل إلى تأسيس ممالك جديدة والحصول على الثروات الطائلة، وقد اعتبر غالبية المؤرخين القدامى والمحدثين تلك الحروب أنها حروب دينية، وأن العامل الديني كان الدافع الأساسي وراءها من أجل استعادة قبر المسيح والأراضي المقدسة من أيدي المسلمين. والآخرون يعتبرونها أحد مظاهر