بكسب، مكتفياً بما يُباسطُ به المريدين والأتباع من أهل مجلسه في العام مّرة أو مرتين على رأس الملأ فيحصل على ألوف من الدنانير وأعداد من الثياب والحُِليَّ، فيأخذها، ويُفرِّقُها على اللَّحَّام والخباز، وينفق منها، ولا يأخذ من السلطان ولا من أركان الدولة شيئاً، وقلَّ ما يُراعيهم ولا يدخل عليهم، ولا يُبالي بهم، فبقي عزيزاً مقبولاً قبولاً أتم من المَلِك، مطاع الأمر نحواً من ستين سنة من غير مزاحمة, وكان إذا حضر المجلس لبس الثياب الفاخرة، وركب الدَّواب الثمينة ويقول: إنما أفعل هذا إعزازاً للدين، ورغماً لأعدائه، حتى ينظروا إلى عِزّي وتَجَُمّلى، فيرغبوا في الإسلام ثم إذا انصرف إلى بيته، عاد إلى المُرقَّعة والقعود مع الصوفية في الخانقاه يأكل معهم، ولا يتميز بحال، وعنه أخذ أهلُ هراة التبكير بالفجر، وتسمية الأولاد غالباً بعبد المضاف إلى أسماء الله تعالى (?).

- سنة وفاته: توفي شيخ الإسلام في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعة مائة، عن أربع وثمانين سنة وأشهر (?). وكان كثير السهر بالليل وروى الحديث وصنف وكانت وفاته بهراة (?). ونلاحظ في فصل المدارس النظامية الدور الكبير الذي قام به نظام الملك في تأسيسها وتحديد أهدافها وبرامجها، وتعيين النوابغ المبدعين من العلماء بها كالجويني وأبي إسحاق الشيرازي والغزالي الذين تفرغوا لتعليم طلاب العلم والكتابة لمناصرة منهج أهل السنة والتصدي للفكر الشيعي الباطني الإسماعيلي، فكانت لجهودهم آثار ملموسة في نصرة الإسلام وإن كانت الدولة السلجوقية قامت بدعم مؤسسات المدارس النظامية لمناصرة الكتاب والسنة، إلا أن مجموعة من علماء أهل السنة لم يكونوا من ضمن مشايخ المدارس النظامية قاموا بتنشيط الدعوة الإسلامية بالوعظ والإرشاد والتعليم والتربية والتصنيف، كالبغوي، وأبي إسماعيل الأنصاري وهم على سبيل المثال لا الحصر، ومن الدروس الكبيرة في هذا الفصل أن البعد العقدي والفكري لا بد منه لأي مشروع سياسي أو عسكري أو حضاري، يراد له النجاح في أوساط المسلمين, وأن من عوامل نهوض الحضارة، أن تكون القيادة السياسية مبدعة في التفكير، وفي تحديد الأهداف، صادقة في الانتماء لعقيدة الأمة وتراثها ودينها وتاريخها وقادرة على توظيف الطاقات العلمية وتحويلها من أعمال فردية إلى أعمال جماعية، عاملة على وحدة الصف ومحاربة الانشقاق، كما أن قدرة العلماء على النزول بأفكارهم وعلمهم للجمهور الإسلامي العريض من عوامل نهوض الحضارة.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015