إسماعيل في ذمّ الكلام على الاتباع فأجاد، ولكنه له نفس عجيب لا يشبه نفس أئمة السلف في كتابه «منازل السائرين»، ففيه أشياء مطربة وفيه أشياء مشكلة، ومن تأمله لاح ما أشرت إليه، والسُّنة المحمدية صَلفَة، ولا ينهض الذوق والوجد إلا على تأسيس الكتاب والسنة. وقد كان هذا الرجل سيفاً مسلولاً على المتكلمين، له صولة وهيبة واستيلاء على النفوس ببلده يُعظمونه، ويتغالون فيه، ويبذلون أرواحهم فيما يأمر به. كان عندهم أطوع وأرفع من السلطان بكثير، وكان طوداً راسياً في السنة لا يتزلزل ولا يَلين، لولا ما كدر كتابه «الفاروق في الصفات» يذكر أحاديث باطلة يجب بيانها وهتكها، والله يغفر له بحسن قصده، وصنف «الأربعين» في التوحيد، و «الأربعين» في السنة. وقد امتحن مرات وأوذي، ونفي من بلده, قال ابن طاهر: سمعته يقول: عُرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك. لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك، فأقول: لا أسكت وسمعته يقول: أحفظ اثنى عشر ألف حديث أسردها سرداً (?). وكان شيخ الإسلام أبو إسماعيل بكر الزمان وواسطة عقد المعاني وصورة الإقبال في فنون الفضائل وأنواع المحاسن منها نصرة الدين والسنة، من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان ولا وزير. وقد قاسى بذلك قصد الحساد في كل وقت، وسعوا في رُوحه مراراً وعمدوا إلى إهلاكه أطواراً، فوقاه الله شرهم، وجعل قصدهم أقوى سبب لارتفاع شأنه (?). قال الذهبي: قد انتفع به خلق، وجهل آخرون، فإن طائفة من صوفية الفلسفة والاتحاد يخضعون لكلامه في «منازل السائرين» وينتحلونه، ويزعمون أنه موافقهم.
كلا، بل هو رجل أثري لهج بإثبات نصوص الصفات منافر للكلام وفي منازله إشارات إلى المحو والفناء، وإنما مراده بذلك الفناء هو الغيبة عن شُهود السَّوى، ولم يُرد محو السوى في الخارج ويا ليته لا صنَّف ذلك، فما أحلى تصوف الصحابة والتابعين ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس، بل عبدوا الله، وذلُّوا له وتوكَّلوا عليه وهم من خشيته مشفقون، ولأعدائه مجاهدون، وفي الطاعة مسارعون، وعن اللغو معرضون، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (?).
- من مكائد خصومه: لما قدم السلطان ألب أرسلان هَراةَ في بعض زياراته، اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل، وسلموا عليه، وقالوا: ورد السُّلطان ونحن على عزم أن نخرج ونُسلمَ عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك وكانوا قد تواطأوا على أن حملوا معهم صنماً من نُحاس صغيراً وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ، وخرجوا،