أنشأ الحاكم بأمر الله دار العلم «دار الحكمة» للغرض ذاته في عام 395هـ وحملت الكتب إليها من خزائن القصور، ومن خزائن مقر الدولة الفاطمية, وأجرى الأرزاق على من رسم له بالجلوس فيها، والخدمة لها من فقيه وغيره، وحضرها الناس على طبقاتهم فمنهم من يحضر لقراءة الكتب ومنهم من يحضر للنسخ، ومنهم من يحضر للتعلم وجعل فيها ما يحتاج الناس إليه من الحبر والأقلام والورق والمحابر (?)، هذا بالإضافة إلى البرامج التعليمية التي كانت تعد بعناية خاصة في عاصمة الخلافة الفاطمية لإعداد الدعاة، وتثقيفهم ثقافة مذهبية واسعة قبل إرسالهم إلى البلاد الإسلامية لنشر المذهب الإسماعيلي، وكان لذلك أثره في رواج هذا المذهب في بعض مناطق الشرق الإسلامي نتيجة لهذه الجهود المنظمة المستمرة في نشر هذه الدعوة (?)، لذلك كله فكر نظام الملك في أن يقاوم النفوذ الشيعي بنفس الأسلوب الذي ينتشر به، ومعنى ذلك أنه رأى أن يقرن المقاومة السياسية للشيعة بمقاومة فكرية

أيضاً (?)، وتربية الأمة على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعقيدة أهل السنة والجماعة المستمدة من الوحي الإلهي. ومن هنا كان تفكيره في إنشاء المدارس النظامية التي نسبت إليه، لأنه الذي جد في إنشائها وخطط لها، وأوقف عليها الأوقاف الواسعة، واختار لها الأكفاء من الأساتذة فكان من الطبيعي أن تنسب إليه من دون السلاجقة (?). لقد كان نظام الملك شافعياً سنياً حريصاً على الإسلام الصحيح وقد عاصرته آراء وأفكار متباينة مختلفة كانت منتشرة في العالم الإسلامي كالمعتزلة والباطينة وبقايا القرامطة وغيرهم من أصحاب الملل والنحل. وكان نظام الملك يرمي بدرجة كبيرة إلى توجيه الرعية وجهة تخدم مصلحة الدولة وتبعث على الاستقرار والسكينة والأمن، لذا كان هم نظام الملك التأكيد في مواضع الدراسة على إفهام الناس عامة ومنتسبي النظامية خاصة أصول الدين الصحيحة، ولما كان نظام الملك شافعياً، كان يرى أن يدرس الفقه والأصول المستمدة من أفكار وآراء الشافعية, وكان من شروط النظامية أن يكون المدرس من الشافعية أصلاً وفرعاً (?).

إن من الأخطار العظيمة التي تواجه الأمة اليوم المد الباطني في أنحاء المعمورة, وقد استهدف عقيدة الأمة وكتاب ربها وسنة نبيها وتاريخها وعظماءها، والكثير من رموز الأمة الإسلامية في عالم السياسة والفكر والعلم والتاريخ والثقافة في حالة استرخاء وفتور، والبراكين المدمرة تجري من تحتهم، فهلا نستلهم الدرس، ونستخرج العبرة، ونعمل بالسنن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015