فانصرف وهو ينشد:
تولاها وليس له عدو ... وفارقها وليس له صديق (?)
ويذكر بعض المؤرخين عدة أسباب لعزل الوزير أبي شجاع، منها أنه كان يعارض طلبات رجال الديوان والجيش التي تتنافى مع الشرع (?). ومنها أنه كان شديداً على أهل الذمة، وقد ألزمهم بلبس الغبار (?). ولما عزل أبو شجاع من الوزارة خرج إلى الجامع ماشياً، ومعه جماعة من العلماء والزهاد (?)، فالتف الناس حوله يصافحونه، ويدعون له، فقيل للخليفة إن أبا شجاع أراد بهذا التشنيع عليه، فصدر أمر الخليفة بأن يلزم أبو شجاع داره، ولا يخرج منها، فبنى أبو شجاع في دهليز داره مسجداً يصلي فيه، وردت أوامر الوزير نظام الملك، بإخراج أبي شجاع من بغداد إلى بلده روذراور، فسار إليها، وأقام بها مدة (?)، ثم توجه منها إلى الحج (?)، قال عنه ابن كثير: كان من خيار الوزراء كثير الصدقات والإحسان إلى العلماء والفقهاء وسمع الحديث من الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وغيره وصنف كُتباً .. ووقف الوقوف الحسنة وأكثر الإنعام على الأرامل والأيتام قال له رجل: إلى جانبنا أرملة لها أربعة أيتام وهم عراة وجياع، فبعث إليهم مع رجل من خاصته نفقة وكسوة وطعاماً، ونزع عنه ثيابه في البرد الشديد، وقال: والله لا ألبسها حتى ترجع إليَّ بخبرهم، فذهب الرجل مسرعاً فقضى حاجتهم وأوصلهم ذلك الإحسان، ثم عاد والوزير يركض من البرد فلما أخبره عنهم بما سره لبس ثيابه.
وجيء إليه مرةً بقطائف سكر، فلما وضعت بين يديه تنغص عليه بمن لا يقدر عليها، فأرسلها كلها إلى المساجد وكانت كثيرة جدّاً، فأطعمها الفقراء والعميان وكان لا يجلس في الديوان إلا وعنده الفقهاء فإذا وقع له أمر مشكل سألهم عنه فحكم بما يفتونه, وكان كثير التواضع مع الناس، خاصتِهم وعامَّتِهم، ثم عزل عن الوزارة فسار إلى الحج وجاور المدينة (?). قال عنه الذهبي: وكان كثير التلاوة والتهجد، ويكتب مصاحف، ويجلس للمظالم، فيغتص الديوان بالسادة والكبراء ويُنادي الحُجّاب: أين أصحاب الحوائج؟ فيُنصف المظلوم، ويؤدَّي عن المحبوس، وله في عدله حكايات في إنصاف الضعيف من الأمير، وخلعت عليه بنت السلطان ملكشاه حين تزوَّجت بالمقتدي، فاستعفى من لبس