وأشرت إلى انتصاره في معركة ساحة الدم، وأثر وفاته على المسلمين وكيف تولى الأمير بلك بن بهرام ابن أخ إيلغازي راية الجهاد وكان خصماً عنيداً للصليبيين وكان يتطلع للقضاء عليهم لا في منطقة الجزيرة فقط، بل وفي بلاد الشام واستطاع أن يأسر بعض ملوك الصليبيين في حروبه، وبعد استشهاده رفع راية الجهاد أمير الموصل آق سُنقُر البرسقي، وتحدثت عن مقتل البرسقي بيد الباطنية وهو في الصف الأول عند صلاة الجمعة وكان تركياً خيراً يحب أهل العلم والصالحين، ويرى العدل ويفعله, وكان من خيرة الولاة يحافظ على الصلوات في أوقاتها، ويصلي من الليل متهجداً، وحذرت من خطر الباطنية، فقد كانوا من أخطر معوقات حركة الجهاد، فقد اتضح عداؤهم الكامل لقادة الجهاد الإسلامي في ذلك العصر وكأن خناجرهم المسمومة كانت تشق للصليبيين طريقاً نحو تثبيت أقدامهم في بلاد الشام والجزيرة على حساب المسلمين, ومن فضل الله على هذه الأمة أن قائمة المجاهدين عامرة ومتأهبة للقتال في سبيل الله، ففي عام 521هـ/1127م عهد السلطان محمود بإمارة الموصل إلى
عماد الدين زنكي وبظهوره على مسرح الأحداث بدأت صفحة جديدة في ميزان القوى بين المسلمين والصليبيين، وقد بدأ عماد الدين بتكوين جبهة إسلامية متحدة ضد الصليبيين, ويؤكد ابن الأثير أهمية ظهور عماد الدين بقوله: «ولولا أن الله تعالى منَّ على المسلمين بولاية الشهيد لكان الفرنج استولوا على الشام جميعه». وسوف يأتي الحديث - بإذن الله تعالى- عن عماد الدين والأسرة الزنكية في كتابنا القادم - بإذن الله تعالى- عن الحروب الصليبية في عهد الزنكيين وسيرة نور الدين محمود الشهيد الملك العادل.
إن أي أمة تريد أن تنهض من كبوتها لا بد أن تحرك ذاكرتها التاريخية لتستخلص منها الدروس والعبر والسنن في حاضرها وتستشرف مستقبلها، وإيجاد الكتب النافعة في هذا المجال من الضرورات في عالم الصراع والحوار، والدعوة والجدال مع الآخر، وهذا يدخل ضمن سنة التدافع في الأفكار والعقائد، والثقافات والمناهج, وهي تسبق التدافع السياسي والعسكري، فأي برنامج سياسي توسعي طموح يحتاج لعقائد وأفكار وثقافة تدفعه، فالحرف هو الذي يلد السيف، واللسان هو الذي يلد السنان والكتب هي تلد الكتائب.
إن الأمة الإسلامية تمر بأمور عصيبة، فالعلل القديمة تتجمع ونذر العاصفة المدمرة من أعداء الإسلام تظهر في الأفق القريب يحاولون بها السيطرة الفكرية والثقافية والعقائدية والسياسية والاقتصادية على قلب العالم الإسلامي، فالخطط تنفذ حالياً لضرب القلب بعد قص الأجنحة، فقد نجح الصليبيون في تنصير أربعة أخماس الفلبين ثم اتَّجهوا إلى جزر إندونيسيا يحملون الخطة ذاتها، وقد محوا المعالم الإسلامية من «سنغافورة» وهم الآن يبعثرون