القطر النائي من أقطار الخلافة (?). وقد كان مغيث يحقد على موسى وطارق منذ الفتح ويسعى إلى منافستهما والإيقاع بهما، وكان لوقيعته ومساعيه ضدهما أكبر الأثر في استدعائهما إلى دمشق. وإذا كانت هذه الرواية لا تلقى ضوءا كافيا على مصير طارق، فإنها قد تسمح لنا مع ذلك أن نعتقد أن طارقاً لم يلق مثل المصير المحزن الذي لقيه موسى، وأنه بالعكس قد استقبل في بلاط دمشق استقبالا حسناً، وربما أحسن الخليفة فوق ذلك إثابته، بدليل أنه فكر في تعيينه واليا للقطر الذي ساهم في افتتاحه بأعظم قسط.
ولكن الرواية الإسلامية لا تحدثنا بعد ذلك عن طارق بشىء، ولا تذكر لنا أين ومتى توفي، بل تسدل على نهايته حجابا عميقا من الصمت (?).
وليس في وسعنا إزاء هذا الغموض الذي يحيط بسيرة طارق أن نتحدث عن صفاته وخلاله، وكل ما نستطيعه في هذا الموطن هو أن ننوه بخلاله العسكرية الباهرة، التي ظهرت بوضوح في حروب المغرب وفتح الأندلس، وهو بهذه الخلال يتبوأ مكانته بين أعظم الفاتحين المسلمين.
أما مصير الكونت يوليان الذي مهد لفتح الأندلس، فلم تشر إليه الرواية الإسلامية. وفي بعض الروايات أنه عاد بعد الفتح إلى سبتة وأقطع ما حولها من الأراضي، وقُلد إمارتها جزاء خدماته. ولكنه بقي نصرانيا هو وبنوه الأقربون، ثم دخل عقبه في الإسلام بعد ذلك. وتقول الرواية الكنسية الإسبانية إنه قتل بيد مواطنيه في معركة نشبت بينه وبينهم، أو أنه قتل بعد ذلك بأعوام في ولاية الحر الثقفي بيد العرب لريبة في ولائه. وتقول هذه الرواية أيضاً إن العرب أعدموا ابني وتيزا وأفراد أسرته لمثل هذا السبب (?). وهذا ما تنفيه الرواية الإسلامية وتؤكد عكسه. فالمصادر الإسلامية تجمع كلها على أن العرب أحسنوا معاملة إيفا (أو إيبا) وسيزبوت ابني وتيزا وعمهما أوباس؛ فأما أوباس فقد عين كما تقدم مطراناً لطليطلة، وأقطع إيفا وسيزبوت ما كان لأبيهما من الضياع.