مثخنا في القبائل الجرمانية التي تسيطر على ضفافه، ثم يخترق أراضي الدولة البيزنطية حتى قسطنطينية فيستولى عليها، ثم يعبر إلى آسيا الصغرى قاصدا إلى دمشق فيصل بذلك أملاك الخلافة الإسلامية فيما بين المشرق والمغرب من طريق الشمال، كما اتصلت من طريق الجنوب (?).
ولم يك ثمة ما يحول دون تنفيذ هذا المشروع الضخم، فقد كان الإسلام يومئذ في ذروة الفتوة والقوة والبأس، وكانت جيوشه تقتحم أرجاء العالم القديم ظافرة أينما حلت. وكانت أمم الغرب من جهة أخرى يسودها الضعف والانحلال، وكانت مملكة الفرنج وهي أضخمها وأقواها يمزقها الخلاف والتفرق، وقد بدأ العرب غزوها بالفعل. ولم تستطع النصرانية أن توحد جهودها لرد الإسلام، ولم تقم فيها زعامة قوية تجمع كلمتها وتنظم قواها في جهة دفاعية موحدة. ولم تكن أوربا في ذلك الحين سوى مزيج مضطرب من الأمم والقبائل المتنافرة، تمزقها المطامع والأهواء المختلفة. فكان الإسلام يستطيع غزوها وفتحها. ولم يكن حلما وإغراقاً ما تصوره موسى بن نصير واعتزمه. ولكن سياسة الإحجام والتردد التي اتبعها بلاط دمشق نحو الفتوح الغربية، والتي كادت تحول دون فتح اسبانيا، أودت بذلك المشروع البديع، وكتب الوليد بن عبد الملك إلى موسى يحذره من التوغل بالمسلمين في دروب مجهولة، ويأمره بالعود، فارتد موسى مرغما آسفا، ولكنه تمهل في العود حتى يتم إخضاع معاقل جليقية التي اعتصمت بها فلول القوط، ويطهر اسبانيا بأسرها من كل خروج ومقاومة، فاخترق جليقية واستولى على معظم معاقلها، ومزق كل قوة تصدت لمقاومته، ولم يبق من النصارى سوى شراذم يسيرة اجتمعت حول زعيم يدعى بلاجيوس أو بلايو، ولجأت إلى قاصية جليقية؛ وبينما كان موسى يتأهب للحاق بها وسحقها، إذ وصله كتاب آخر من دمشق يستدعيه وطارقا، ويأمرهما بتعجيل العودة ولعل أقوى البواعث التي حملت الوليد على هذا الاستدعاء ما نمى إليه من خلاف موسى وطارق، وخوفه أن ينتهي هذا الخلاف، بتفرق كلمة المسلمين ونكبتهم في تلك الأقطار