فطارق يستهله بقوله: " أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر ... "، وفي ذلك ما يمكن أن يحمل على أن الجيش الفاتح قد جرد من وسائل الارتداد والرجعة إلى الشاطئ الإفريقي، أو بعبارة أخرى قد جرد من السفن التي حملته في عرض البحر إلى اسبانيا، ولكنا رأينا أن هذا الخطاب لا يمكن الاعتماد عليه من الوجهة التاريخية، كوثيقة بعيدة عن شوائب الريب. ولو صح أن طارقا ألقى في جنده مثل ذلك الخطاب، فقد نجد تفسيراً لأقوال طارق في أن السفن كانت ملكاً للكونت يوليان، وفي أنها لم تكن تحت تصرف الغزاة في جميع الأوقات.

ومع ذلك كله فإن رواية الشريف الإدريسي عن واقعة إحراق طارق للسفن ليست من الأمور المستحيلة؛ وهي عمل بطولة يتفق مع بطولة فاتح الأندلس. على أنها تبقى عرضة لكثير من الريب، فقد دونت لأول مرة في القرن الخامس الهجري. أعني بعد فتح الأندلس بأكثر من ثلاثة قرون، ولم تؤيدها أية رواية إسلامية أخرى (?).

وعلى أثر الموقعة الحاسمة التي غلب فيها الجيش القوطي ومزق، ساد الرعب على القوط، فامتنعوا بالحصون والجبال، وقصدوا إلى الهضاب والسهول. وذاعت أنباء النصر في طنجة وسبتة وما جاورهما من أراضي العدوة، فعبر إلى الجيش الفاتح سيل من المجاهدين والمغامرين من العرب والبربر. وزحف طارق بجيشه شمالا. وكانت بقية الجيش القوطي قد اجتمعت عند إستجة لتحاول رد الجيش الفاتح، فالتقى الجيشان هناك ثانية، وهزم القوط مرة أخرى، ولم يبق إلا أن يستولى الفاتحون على المدن والقواعد الحصينة واحدة بعد الأخرى.

وكان يوليان وأصحابه إلى جانب المسلمين، يعاونهم بالنصح والإرشاد كما قدمنا، ففي إستجة وضعت خطة السير، وتقرر أن يسير طارق بنفسه إلى طليطلة عاصمة المملكة القوطية، وأرسل طارق مغيثاً الرومي مولى الوليد بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015