تسليم معقله، ويدعوه إلى فتح اسبانيا، وجرت بينهما المفاوضة في هذا المشروع الخطير. وتختلف الرواية في أمر هذا الاتصال، فيقال إن موسى ويوليان اتصلا بالمراسلة، وقيل إنهما اتصلا بالمقابلة الشخصية، وإن الكونت استدعى موسى الى سبتة، وهنالك وقعت المفاوضة بينهما. وقيل أخيرا إنهما اجتمعا في سفينة في البحر (?). وعلى أى حال فقد استجاب موسى لدعوة الكونت، واهتم بمشروعه أعظم اهتمام، وكان قد وقف على أحوال اسبانيا وخصبها وغناها، واستطاع أن يقدر أهمية مثل هذا الفتح، وجليل مغانمه ومزاياه، فلما علم من يوليان وحلفائه ما تعانيه اسبانيا من الخلاف والشقاق، وما يسودها من الانحلال والضعف، ورأى مما يعرضه يوليان من تسليم سبتة وباقي معاقله، وتقديم سفنه لنقل المسلمين في البحر، ومعاونته بجنده وإرشاده، أن الفوز ميسور محقق، كتب إلى الوليد بن عبد الملك يخبره بأمر المشروع، فكتب إليه الوليد أن يختبره بالسرايا، أعني بالحملات الصغيرة بادىء بدء، وألا يزج بالمسلمين إلى أهوال البحر، بيد أن المسلمين كانوا قد خاضوا قبل ذلك غمر المعارك البحرية في هذه المياه، وغزوا صقلية وسردانية، ثم غزوا جزائر البليار (الجزائر الشرقية) كما قدمنا، وكان البحر الذي يفصل بين إفريقية والأندلس مجازا ضيقا سهل العبور.
ولبث موسى حينا بطنجة يهيئ عُدة الفتح، والظاهر أن يوليان وحلفاءه لم يقصدوا بدعوة موسى أن يمتلك العرب اسبانيا، وأن يحكموها، بل كان مشروعهم أن يستعينوا بالعرب على محاربة المغتصب وإسقاطه، واستخلاص الملك لأنفسهم. وكان اعتقادهم أن العرب متى امتلأت أيديهم بالأسلاب والغنائم، قفلوا إلى إفريقية. وهو فرض معقول يؤيده سير الحوادث في اسبانيا، فقد كان الخوارج على ردريك يقصدون إلى انتزاع الملك من يده. وتحقيق أطماعهم يالحلول مكانه. أما الفرض الآخر - وهو أنهم كانوا يقصدون بالفعل تسليم وطنهم إلى العرب - فمعناه أنهم كانوا يعملون للقضاء بأنفسهم على مشاريعهم وأطماعهم، وهو مما يصعب قبوله وتعليله (?)، والظاهر أن موسى بن نصير كان من جانبه