وليس لدينا من تراث الرواية الإسلامية عن تلك المرحلة القاتمة، من تاريخ دولة الإسلام في الأندلس، سوى رواية صاحب "أخبار العصر في انقضاء دولة بني نصر" عن سقوط غرناطة، وما نقله إلينا المقري من شذور قليلة متفرقة، في نفح الطيب، وفي أزهار الرياض، عن تلك المرحلة الأخيرة من حياة غرناطة.
أما عن مأساة الموريسكيين أو العرب المتنصرين، وهم بقايا الأمة المغلوبة، فلسنا نظفر من الرواية الإسلامية إلا بأقوال وشذور يسيرة، معظمها أيضاً مما نقل إلينا المقري في كتابيه السابقين. ولهذا كان جل اعتمادنا في استعراض هذه المرحلة الأخيرة، من حياة الأمة الأندلسية، على المصادر الغربية، والإسبانية بنوع خاص، ومنها بعض المصادر المعاصرة، التي تروى لنا تفاصيل المأساة عن مشاهدة فعلية؛ وإذا كانت المصادر الإسبانية، يفيض معظمها بالمؤثرات القومية والدينية، فإنه لما يشهد للبحث الغربي بالاعتدال والروية، وروح الإنصاف، ما يبديه في مواطن كثيرة، من تقدير مؤثر لعبقرية الأمة المغلوبة وحضارتها، وروعة كفاحها للذود عن حياتها وكرامتها وتراثها، وما يبديه بالأخص من عطف على محنتها وآلامها، ومن استنكار لخطط السياسة الإسبانية، وأساليب محاكم التحقيق في العمل على إبادتها. ويكفي أن ننقل في هذا الموطن تلك العبارة الموجزة القوية، التي يجمل فيها الدكتور "لي"، وهو من أحدث الباحثين في هذا الموضوع، مأساة العرب المتنصرين، إذ يقول في مقدمة كتابه: "إن تاريخ الموريسكيين لا يتضمن فقط مأساة تثير أبلغ عطف، ولكنه أيضاً خلاصة لجميع الأخطاء والأهواء، التي اتحدت لتنحدر بإسبانيا في خلال قرن، من عظمتها أيام شارل الخامس، إلى ذلتها في عصر كارلوس الثاني".
...
ومن ثم فقد وطنت النفس على ألا أدخر وسعاً، في تقصي المصادر والوثائق المتعلقة بهذه المرحلة الغامضة القاتمة، من تاريخ الأمة الأندلسية -مرحلة الإنحلال والفناء- والسعي وراءها أينما وجدت، سواء منها العربية أو القشتالية، وأعتقد أنني بذلت في هذا السبيل جهد المستطاع، ووفقت إلى نتائج ذات شأن، سواء يالنسبة لتاريخ مملكة غرناطة، أو تاريخ الموريسكيين. ففي خلال الرحلات العديدة التي قمت بها حتى اليوم في شبه الجزيرة الإسبانية، لم أترك موطناً من