مشاهدة الأمور ومعاينتهما، والتحجب عن مطالعة الأمور داعية كبرى لفسادها واختلالها، وسبب قوي في اننقاضها وانحلالها، وفرصة لوسائط السوء بانهماكها في البواطل واسترسالها، فلا تكلوا النظر فيها إلى أحد سواكم، ولا تبعدوا بغلظ الحجاب عما قصدكم من الخير ونواكم، وباشروا الأحكام هنالك مباشرة المتعهد المتفقد، وعليكم بالتواضع لأمر الله تعالى وترك الاستعلاء المنتقد، وتحفظوا في جانب المسلمين من كل خفيف المقال، كثير الاضطراب في الباطل والانتقال، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيل والقال، وتثبتوا وفقكم الله تعالى في الأحكام، التي لا بد لكم من النظر فيها تثبت الحث [البحث]، عن حقائق الأمور والاستقصاء، وتعهدوا الناس بالتحذير من اللدد في الخصام وبالغوا في الإيصاء.
ولا تظنوا أن الاجتهاد في الأمور يؤدي إلى الهجوم عليها والاقتحام، ويخرج النظر عن التثبت في القضايا والأحكام، فاذهبوا فيها مذهباً وسطاً، واقصدوا الاعتدال مقصداً مقسطاً، ولا تجتهدوا في شىء لا تعلمون فيه حكماً، وشاورونا فيما يخفي عنكم وجهه، لنرسم لكم فيه رسماً، فليس كل مجتهد مصيباً برأيه، ولا كل هاجم على رأى منجحاً في سعيه، وبين طرفي الأحوال واسطة جميلة فيها معقد السياسة ومناطها، وخير الأمور - قال عليه الصلاة والسلام - أوساطها.
وعليكم أن تبحثوا بغاية جدكم عن أولئك المسببين لتلك القبائح، الساعين في صد ما يرضاه الله تعالى من المصالح، وتعرفونا بهم بعد تثقيفهم، لنشرد بهم من خلفهم، ونكف بعقابهم نوعهم الظالم وصنفهم، وقد استخرنا الله، في سد تلك الذريعة، وصد تلك الأفعال الشنيعة، فرأينا أن ترفعوا إلينا أحكام المذنبين للكبائر، وتعلمونا بنبأ كل من ترون أنه يستوجب القتل بفعله الخاسر، دون أن تقيموا الحد عليه، أو تبادروا بالعقاب إليه، ولا سبيل لكم إلى قتل أحد من كل من هو في بلاد الموحدين وأنظارهم، ومن هو منهم وداخل في مضمارهم، وكل من ترون أنه يستوجب القتل، ممن يريد المكر في أمر الله تعالى والختل، فعرفونا بجلية أمره وتصحيحه، وخاطبونا بميز أمره ومشروحه، لينفذ فيه من قبلنا ما يوجه الحق ويقتضيه، ونمضي في عقابه ما ينفذه الشرع ويمضيه، فإياكم من مخالفة أمرنا هذا في قتل أحد ممن ذكرنا كائناً من كان، كبر ذنبه عندكم أو هان، ولتبادروا