الثغرة، وتتصل المراحل، ويغدو تاريخ الأندلس، والأمة الأندلسية، كله، وقد استكملت حلقاته، منذ بدايته إلى نهايته.
وانه ليملأ نفسي اليوم غبطة، أنني قد استطعت بعون الله، أن أتمم هذه المهمة، وأن أكتب تاريخ عصر المرابطين والموحدين، في المغرب والأندلس، بعد أعوام من العمل الشاق، والجهد المتواصل، والتنقيب المستمر، في مكاتب مدريد، والإسكوريال، والرباط، وفاس، والقاهرة، ولندن، وأكسفورد، والفاتيكان. وقد حرصت فضلا عن تقصي المصادر والوثائق، على دراسة المواطن الجغرافية والاستراتيجية دراسة عملية، فزرت بالمغرب سائر عواصمه التاريخية، وزرت منطقة جبال الأطلس ومدينة تينملّل، مكة المهدي ابن تومرت، ودرست طريق مسير الجيوش المرابطية والموحدية، إلى شبه الجزيرة الإسبانية، وزرت مواقع العبور إليها من جانبي المضيق. وأما بالأندلس فإني لم أترك قاعدة أو مدينة أندلسية قديمة حتى زرتها، ودرست معالمها القديمة، وآثارها الأندلسية الباقية.
وقد حرصت بنوع خاص على أن أدرس مواقع المعارك العظيمة، التي نشبت يين الموحدين وبين اسبانيا النصرانية، في شنترين، وفي شلب، ثم الأرك، وفي العقاب. وقد قضيت عدة أيام في دراسة مواقع هاتين المعركتين العظيمتين الحاسمتين - الأرك والعقاب - وقمت لذلك برحلة خاصة، طفت فيها بسهل الأرك، ومواقع قلعة رباح القديمة. ثم قصدت إلى جبال سييرّا مورينا التي تفصل بين الأندلس وبين قشتالة، وصعدت إلى آكامها، وتجولت في هضابها، وطفت بسائر الأماكن التي وقعت فيها معركة العقاب، من وعر ومن سهل، وهي المعركة التي سحقت فيها الجيوش الموحِّدية، وانتهت بانحلال سلطان الموحدين، وانحلال الأندلس، ثم سقوط سائر قواعدها العظيمة، فيما لا يزيد عن ثلاثين عاماً. وكانت هذه الدراسات الجغرافية، والطبوغرافية، تمدني بكثير من أسباب الإيضاح والإدراك لظروف هذه االمواقع، والنتائج التي انتهت إليها، وتعاون على الدقة في وصف مراحلها وتطوراتها.
وثمة مسألة أخرى جديرة بالتنويه، وهي أن كتابة تاريخ عصر المرابطين والموحدين، تعتبر قبل كل شىء تسطيراً لتاريخ المغرب، ولا يشغل فيه تاريخ الأندلس سوى حيز يسير، فقد كانت الأندلس أو شبه الجزيرة الأندلسية، في هذا العصر الذي استطال زهاء قرن ونصف، ولاية مغربية، داخل الإمبراطورية