بالأخص في عصر الطوائف، وبلغ في ذلك مدى لم يبلغه في أي عصر آخر.

ويعلل الأستاذ نِكِل ذلك بأنه يرجع بالأخص إلى ما كان يتسم به هذا العصر من حريات، ترتب عليها الإغضاء عن كثير من القيود الدينية، ولاسيما ما تعلق منها بتحريم الخمر، وحجب المرأة، وإلى ذيوع العلاقات الغرامية بين الجنسين (?) كان ملوك الطوائف حسبما تقدم، يتسمون بضعف الإيمان والعقيدة، والاستهتار بأحكام الدين، وكان الكثير منهم يجاهرون بالمعاصي، وارتكاب الأمور المحرمة، وهو ما يسجله عليهم الفيلسوف ابن حزم فيما تقدم من أقواله. وقد كانت قصورهم المترفة الأنيقة، كما تزدان بمجالس الشعر والأدب، تحفل في الوقت نفسه بمجالس الأنس والطرب، والنساء والغلمان والخمر، وهي أمور تشغل حيزاً كبيراً في آداب العصر وشعره. وكانت مجتمعات الطوائف المرْهقة المنحلة، تتأثر بهذه الروح الإباحية، وتجنح إلى اجتناء المتعة المادية والملاذ الحسية بمختلف ضروبها، وكان هذا الانحلال الشامل يجتاح يومئذ سائر طبقات المجتمع الأندلسي.

على أن النهضة الأدبية والفكرية التي امتاز بها عصر الطوائف، ترتفع مع ذلك فوق مستوى هذا الانحلال وتبرز قوية وضاءة. ولقد كانت هذه القصور المترفة المرحة نفسها، أكبر مبعث لهذه النهضة، وكان أولئك الملوك المستهترون أنفسهم دعاتها وحماتها، وكانت قصور الطوائف تتنافس في هذا الميدان وتتسابق، شعوراً منها بما تجتنيه من وراء ذلك من فخار ومجد، وما تسجله روائع المنظوم والمنثور من ذخر وذكر. وكان من بين هذه القصور ثلاثة امتازت بنوع خاص، بمشاركتها في النهضة الأدبية والشعرية، هي بلاط بني عباد بإشبيلية، وبلاط بني الأفطس ببطليوس، وبلاط بني صمادح بألمرية.

كان بنو عباد، وهم كما رأينا، أعظم ملوك الطوائف قوة وجاهاً وملكاً، من أعظم رواد هذه النهضة الأدبية والفكرية التي سادت هذا العصر، وقد سبق أن أشرنا إلى ما امتازت به هذه الأسرة النابهة من نبوغ في ميدان الشعر والأدب، وقد برز منهم بالأخص المعتضد بن عباد، وولده المعتمد، وترك لنا كلاهما طائفة كبيرة من روائع نظمه. ويمتاز شعر المعتضد بنزعة إلى الفخر والمجد وشهرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015