وسلطانه، وأخيراً لتنفيذ مشاريعه السياسية والعسكرية، وهي لا تخرج غالباً عن مهاجمة زميله وجاره الأضعف منه، وانتزاع ما في يده، وقلما تتجه إلى القضية الكبرى، قضية الدفاع عن الأندلس ضد عدوها الخالد، الدائب لمقارعتها وتحطيمها، ونعني اسبانيا النصرانية.

ولقد كان ملوك الطوائف في ذلك أسوأ قدوة. كانوا ملوكاً ضعافاً في وطنيتهم، ضعافاً في دينهم، غلبت عليهم الأثرة والأهواء الشخصية إلى أبعد الحدود، ونسوا في غمارها وطنهم، ودينهم، بل نسوا حتى اعتبارات الكرامة الشخصية، واستساغوا لأنفسهم أن يتراموا على أعتاب الملوك النصارى، وأن يستعدوهم بعضهم على بعض، لا في سبيل قضية محترمة، ولكن لاقتطاع بلدة أو حصن من مملكة شقيقة، أو التنكيل بأحد الأمراء المجاورين وقد انتهى أمراء الطوائف في ذلك إلى درك، يستحق أن يوصف بأقسى النعوت، ويكفي أن نستعرض في ذلك, موقف ملوك الطوائف إزاء نكبة طليطلة، وتخاذلهم جميعاً عن انجادها وقت أن حاصرها ملك قشتالة وصمم على أخذها، وهم جميعاً - إلا واحداً منهم هو أمير بطليوس الشهم - ينظرون إلى استشهاد المدينة المسلمة، جامدين لا يطمعون إلا في رضاء ملك قشتالة، وفي سلامة أنفسهم. وقد كان ملك قشتالة يعاملهم حسبما رأينا في غير موطن، معاملة الأتباع، ويبتز منهم الأموال الطائلة، باسم الجزية، ويعامل رسلهم وسفراءهم معاملة الخدم، ويكفي أن نتلو في ذلك ما سطره ابن بسام في الذخيرة، من وصف مثول سفراء ملوك الطوائف لدى ملك قشتالة، وقت نزوله أمام طليطلة، وهي على وشك التسليم إليه، وما كان يتسم به موقفهم من المذلة والخنوع، وفقد كل كرامة قومية (?).

ولم يكن ملوك الطوائف في سياستهم الداخلية، وإزاء شعوبهم، أفضل موقفاً، ولا أكرم تصرفاً. فقد كانوا طغاة قساة على رعيتهم، يسومونهم الخسف، ويثقلون كواهلهم بالفروض والمغارم لملء خزائنهم وتحقيق ترفهم وبذخهم. ولم يكن يردعهم في ذلك رادع، لا من الدين، ولا من الأخلاق.

وقد كانت سياستهم الداخلية هذه، مثل سياستهم الخارجية، موضع السخط من شعوبهم، والطعن المر من معاصريهم من الكتاب والمفكرين. وقد صدرت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015