وتدليس الشيوخ: هو أن يروي الراوي عن شيخ حديثاً سمعه منه، وهذا الشيخ -صاحب الحديث- معروف باسمه، فلا يذكره الراوي باسمه المعروف، وإنما يذكر كنيته، فمثلاً: لو قلت الآن: حدثني أبو عبد الرحمن السوري فلا أظن أن أحداً يعرفه، وهو الألباني، ولو قلت: حدثني أبو محمد العماني فهو كذلك الألباني، ولو قلت: حدثني محمد بن حماد فهو كذلك الألباني؛ لأن الشيخ مشهور بـ محمد ناصر الدين الألباني، ومشهور بـ ناصر الدين، ومشهور بـ الألباني.
فلو عدلت عن الثلاثة إلى محمد بن حمّاد أو أبي محمد العمّاني أو أبي عبد الرحمن السوري فلن يعرفه أحد، ولو رويت عن الشيخ ثلاثة أحاديث فقلت في الأول: حدثني أبو محمد العمّاني، وفي الثاني: حدثني أبو عبد الرحمن السوري، وفي الثالث: حدثني محمد بن حمّاد فالذي يسمعني سيظن أن لي ثلاثة شيوخ، وهو في الحقيقة شيخ واحد، فالراوي يعدد وينوع في ذكر اسم شيخه بما لم يشتهر به عند السامع حتى يحيره فلا يعرفه، وبهذا يوعر طريق الوصول إلى معرفة الشيخ.
فتدليس الشيوخ هو: أن يروي الراوي عن شيخ حديثاً سمعه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يعرفه بما لا يُعرف به كي لا يُعرف.
هذا النوع الثالث من أنواع التدليس.
وقد ذمه أكثر العلماء، وكان شعبة بن الحجاج العتكي من أشد الناس ذماً له حتى قال فيه: لأن أشرب من بول حمار أحبُّ إليّ من أن أُدلّس! وقال مرة: لأن أزني أحب إليّ من أن أدلس! وهذا الكلام محمول على المبالغة في الزجر عن التدليس وكراهته، ولا يقصد به الحقيقة، ولا يعقل أن يكون الزنا وشرب بول الحمير أحب على الحقيقة إلى شعبة من التدليس، فهذا الكلام محمول على المبالغة في الزجر وكراهية التدليس.
وتدليس الشيوخ لا شك أنه محرّم.