النوع الثاني من أنوع التدليس: تدليس التسوية.
وهو: أن يبقي الراوي شيخه ولو كان ضعيفاً، ويحذف شيخ شيخه من الإسناد.
فمثلاً: بقية بن الوليد كان مشهوراً بتدليس التسوية، ولكنه لا يدلس عن شيخه، والأصل في المدلس أنه يدلّس عن شيخه مباشرة، وأما في تدليس التسوية فالراوي يحذف شيخ شيخه أو من علا في الإسناد، وأما الرواية بينه وبين شيخه فسليمة (100%).
فـ بقية بن الوليد يقول: حدثني الأوزاعي عن فلان، فيلحق صيغة التدليس بشيخه، وليس بنفسه، والأوزاعي في أصل الرواية يقول: حدثني فلان، ولكن لما كان شيخ الأوزاعي ضعيفاً حذفه بقية.
وبقية مشهور جداً بالتدليس، وهذا النوع يسمى تدليس التسوية، فهو يسوي الإسناد، أي: يحذف الراوي الضعيف من أجل أن يكون كل الإسناد ثقات على السواء؛ لأن وجود الراوي الضعيف هذا سوف يغير الحكم على الإسناد.
يقول أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر: أحاديث بقية ليست نقية -أي: أنها ليست مستقيمة ولا مضبوطة- فكن منها على تقية.
أي: احذرها.
فتدليس التسوية هو: أن يعمد الراوي المدلس إلى إسقاط شيخ شيخه ومن علا من الإسناد حتى يسوي الإسناد كله ثقات، فالناظر في الإسناد لأول وهلة يقول: كل رواته ثقات، ولكن فيه علة خفية وهي إسقاط راو من الإسناد، وهذا الراوي هو شيخ شيخ المدلس أو من علا، فهو لا يحذف شيخه؛ لأن الناس سيعرفون أنه مدلّس.
ولابد في حديث من يدلس تدليس التسوية من التصريح بالسماع على مدار الإسناد كله؛ لأنه لا يؤمن وقوع التدليس في أي طبقة من الطبقات، فلابد أن يكون التصريح بالسماع في كل طبقات السند حتى نأمن التدليس.
ولما سئل بقية: لماذا تدلّس على الأوزاعي وتسقط شيوخه الضعاف؟ قال: أنا أجل الأوزاعي عن الرواية عن أمثال هؤلاء، يعني: هو أجل قدراً من أن يروي عن الضعيف! فهو يعرف قدر الأوزاعي أكثر من الأوزاعي نفسه، فنزه الأوزاعي عن الرواية عن الضعفاء، واتهم هو في دينه وأمانته.
قال الخطيب: وربما لم يسقط المدلس شيخه، ولكن يسقط ممن بعده رجلاً ضعيفاً أو صغير السن؛ ليحسن الحديث بذلك، وكان الأعمش والثوري وبقية يفعلون هذا النوع.
والعلماء في كتب المصطلح لا يهتمون بتدليس التسوية، ويقولون: إن التدليس نوعان: تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ.
والصواب: أن هؤلاء الثلاثة هم رءوس التدليس.
وحكم تدليس التسوية الحرمة.