ولا يذهبن الظن بأحد أن العصر العباسي الذي اشتهرت فيه حانات الخمر وشاع فيه اللهو والمجون، لا يظن أحد أن الخمر ق صارت مباحة في هذا العصر بل إنها ظلت محصورة في الضمائر والنفوس مذمومة ملعونة على ألسنة الأدباء والشعراء حتى المعربدون الذين اشتهروا بالمجون لم يجدوا في خصومهم أشد نقيصة من وصفهم بالسكر والشراب مما يلهيهم عن الصلاة فها هو أحد شعراء العصر العباسي يهجو حمادا الراوية فيصور ما أحدثته الخمر فيه من فساد العقيدة وهجر الصلاة، ثم تأثيرها على أعضاء جسمه من شفتيه وأنفه ووجهه وذلك حيث يقول:
نعم الفتى لو كان يعرف ربه ... ويقيم وقت صلاته حماد
هدلت مشافره الدنان فأنفه ... مثل القدوم يسنها الحداد
وابيض من شرب المدامة وجهه ... فبياضه يوم الحساب سواد
ومن كثرة الوصافين له المعجبين بها من شعراء العصر العباسي إلا أننا نجد كذلك من أزروا بها وعابها ونصحوا بتركها لما تحدثه من أضرار وأخطار، ومنها فضح سريرة الإنسان وإشهار زلاته المستورة، ومن هؤلاء "العتبي" وله في ذلك أبيات مشهورة منها قوله:
دع النبيذ تكن عدلا وإن كثرت ... فيك العيوب وقل ما شئت يحتمل
هو المشيد بأخبار الرجال فما ... يخفى على الناس ما قلوا وما فعلوا
كم زلة من كريم ظل يسترها ... من دونها ستر الأبواب والكلل
واشتهر قول العتبي أيضا:
أخو الشراب ضائع الصلاة ... وضائع الحرمة والحاجات
وحاله من أقبح الحالات ... في نفسه والعرس والبنات
أف له أف إلى أفات ... خمسة آلاف مؤلفات
ومن أسوأ حالات السكارى ما تحدثه في نفوسهم من الوهم الباطل والتخيل الكاذب. وإنها لتغتال منه كل فضيلة في الواقع ولكنها توهمه ما ليس له وجود، فيسر وإن كان مغموما، ويدفأ دفئا كاذبا، ويخيل الجبان أنه صار عنترة بن شداد، وهو في الواقع