وإذا كان الإسلام في العهد النبوي قد دفن النعرات الجاهلية، والعصبيات الدموية، والشيطان قد يئس أن يُعبد في ذلك العهد، لكننا نخشى تجدد آماله في هذه العصور المتأخرة. تتجدد آماله في الفرقة والتمزيق.
فالعالم الإسلامي اليوم تتوزعه عشراتُ القوميات، وتمشي جماهيره تحت عشرات الرايات، وهي قوميات ذات توجهات مقيتة. ما جلبت لأهلها إلا الذل والصغار، والفرقة والتمزق.
فهل يستيقِن المسلمون اليومَ أنّ التفرُّقَ والتشرذُم الحاصِل والذلّ والهوان الواقع إنما هو بسببِ تلك القوميّات العرقيّة والأحزاب الفكريّة والمشارِب المتعدّدة؟! فكم جرّت على الأمّة الإسلاميّة من ويلاتٍ وويلات، ودمّرت مصالحَ ومقدَّرات، ونبيّ الأمّة - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» (رواه مسلم).وفي لفظ آخر: «وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي» (رواه مسلم).
قوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (وَمَنْ قَاتَلَ تَحْت رَايَة عِمِّيَّة) هِيَ الْأَمْر الْأَعْمَى لَا يَسْتَبِين وَجْهه كَتَقَاتُلِ الْقَوْم لِلْعَصَبِيَّةِ.
قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (يَغْضَب لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَة أَوْ يَنْصُر عَصَبَة) مَعْنَاهُ: إِنَّمَا يُقَاتِل عَصَبِيَّة لِقَوْمِهِ وَهَوَاهُ.
• الوصية بالتمسك بالكتاب والسنة:
أيّها المسلمون، وتُختَم كلمات الوداع من نبيّ الأمّة - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يفارقها بوَصيّة تضمَن لها السعادة والرفعةَ والنصرَ والعزّ، إنها وصيّة الالتزام بالتمسك بالوحيين والاعتصام بالهديين، قال - صلى الله عليه وآله وسلم - في خطبة الوداع: «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللهِ» (رواه مسلم).
وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ» (?). (صحيح رواه الحاكم).