ورواه الترمذي بلفظ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا، إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ ... » (حسن).
(مُؤْمِن تَقِيّ وَفَاجِر شَقِيّ) مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاس رَجُلَانِ مُؤْمِن تَقِيّ فَهُوَ الْخَيِّرُ الْفَاضِل وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسِيبًا فِي قَوْمه، وَفَاجِر شَقِيّ فَهُوَ الدَّنِيّ وَإِنْ كَانَ فِي أَهْله شَرِيفًا رَفِيعًا.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُفْتَخِر الْمُتَكَبِّر إِمَّا مُؤْمِن تَقِيّ فَإِذَنْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَكَبَّر عَلَى أَحَد، أَوْ فَاجِر شَقِيّ فَهُوَ ذَلِيل عِنْد اللهِ، وَالذَّلِيل لَا يَسْتَحِقّ التَّكَبُّر فَالتَّكَبُّر مَنْفِيّ بِكُلِّ حَال.
(لَيَدَعَن): أَيْ لِيَتْرُكَن. (إِنَّمَا هُمْ): أَيْ أَقْوَام. (أَهْوَنَ): أَيْ أَذَلَّ. (عَلَى اللهِ): أَيْ عِنْده (مِنْ الْجِعْلَان):جَمْع جُعْل: دُوَيْبَّة سَوْدَاء تُدِير الْخِرَاء بِأَنْفِهَا، وَمِنْ شَأْنِه جَمْع النَّجَاسَة وَادِّخَارهَا. وَمِنْ عَجِيب أَمْره أَنَّهُ يَمُوت مِنْ رِيح الْوَرْد وَرِيح الطِّيب فَإِذَا أُعِيدَ إِلَى الرَّوْث عَاشَ. وَمِنْ عَادَته أَنْ يَحْرُس النِّيَام فَمَنْ قَامَ لِقَضَاءِ حَاجَته تَبِعَهُ وَذَلِكَ مِنْ شَهْوَته لِلْغَائِطِ لِأَنَّهُ قُوتُه.
(الَّتِي تَدْفَع بِأَنْفِهَا النَّتْن): أَيْ الْعَذِرَة، أي البراز. (يُدَهْدِه) يُدَحْرِج.
شَبَّهَ - صلى الله عليه وآله وسلم - الْمُفْتَخِرِينَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّة بِالْجِعْلَانِ، وَآبَاءَهُمْ الْمُفْتَخَر بِهِمْ بِالْعَذِرَةِ، وَنَفْس اِفْتِخَارهمْ بِهِمْ بِالدَّفْعِ وَالدَّهْدَهَة بِالْأَنْفِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحَد الْأَمْرَيْنِ وَاقِع الْبَتَّة إِمَّا الِانْتِهَاء عَنْ الِافْتِخَار أَوْ كَوْنهمْ أَذَلّ عِنْد اللهِ تَعَالَى مِنْ الْجِعْلَانِ الْمَوْصُوفَة.
وما أشبه هؤلاء الْمُفْتَخِرِينَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّة بمن يفتخرون اليوم بالمشركين من الفراعنة أو الأشوريين أو البابليين أو غيرهم، يزعمون أنهم أجدادهم.
إن أجدادنا الذين يحق لنا أن نفخر بهم هم تلاميذ محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ والحسن والحسين ومعاوية وعمرو بن العاص - رضي الله عنهم -، ومن سار على نهجهم من التابعين وتابعيهم بإحسان.