كفلت لها الشريعة المطهرة من الحقوق، وكيف يمكن ذلك، وقد أمر الله - عز وجل - ببرها والإحسان إليها الدهر كله، وجعله حقًّا لها وهي على قيد الحياة.

وعندما تكون في عالم الأموات، فإن من برها الدعاء لها، والتصدق عنها، والحج والاعتمار عنها، ولم يجعل لهذا الإحسان يومًا أو وقتًا واحدًا يُحْتَفَل فيه بها، ولم تأت شريعة من الشرائع بمثل ما جاءت به شريعة الإسلام.

يقول الشاعر:

لأمِّكَ حَقٌّ لو علِمْتَ كبيرُ ... كَثيرُكَ يا هذا لدَيهِ يسيرُ

فكمْ ليلةٍ باتَتْ بثِقْلِكَ تشتكِي ... لَها مِن جَوَاها أنَّةٌ وزفيرُ

وفِي الوَضعِ لو تدرِي عليْكَ مشقةٌ ... فكمْ غُصَصٍ منها الفؤادُ يطيرُ

وكمْ غسلَتْ عنكَ الأذَى بيمينِهَا ... ومِن ثَدْيِها شُربٌ لدَيْك نَمِيرُ

وكم مَرّة جاعَتْ وأعطَتْكَ قُوتَها ... حُنُوًّا وإشفاقًا وأنتَ صغيرُ

فَضَيَّعْتَهَا لَما أسَنّتْ جَهَالةً ... وطالَ عليكَ الأمرُ وهو قصيرُ

فَدُونَكَ فارغبْ فِي عَمِيمِ دُعائِهَا ... فأنت لِما تَدْعو إليه فقيرُ

(الجَوَى):الحُرْقة وشدَّة الوَجْدِ من عشق أَو حُزْن، والجَوَى السُّلُّ، وتطاوُل المرض.

وذِكْرُ حقوق الأم في الشريعة باب يطول، ويكفي التنبيه إلى أن الله تعالى أمر ووصى في مواضع من كتابه بالإحسان إلى الوالدين، وقرنه بالأمر بعبادته والنهي عن الشرك به، وأمر بالشكر لهما متصلًا بالشكر له، وخص الأم بالذكر في بعض هذه الوصايا للتذكير بزيادة حقها على الأب.

قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)} (لقمان: 14). وَقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015