الدرجات العلى في الدار الأخرى (من أمتي) أي: أمة الإجابة: أي من المؤمنين (من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام) بهذا ردّ قول سفيانبن عيينة إن وجه إضافة الصوم في حديث «الصوم لي» أن أصحاب التبعات إنما يأخذون من حسنات الظالم حتى يبقى الصيام فعند ذلك يقول الله: «الصوم لي وأنا أجزي به» ، ويرضي عنه الخصوم (وزكاة) أي: وغيرها من عمل البرّ (ويأتي) عطف على يأتي الأوّل (وقد شتم هذا) أي: سبه كما في «الصحاح» (وقذف هذا) أي: رماه بالزنى مثلاً (وأكل مال هذا) أي: بغير رضاه ومثله سائر الإتلافات بأيّ وجه كان، وخص الأكل لأنه أغلب وجوه إتلاف المال (وسفك) أي: أهرق (دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا) أي: أحد المجنيّ عليه (من حسنته) أي: من ثوابها، ويحتمل أن يعطاها بنفسها ويجازى عليها حينئذٍ وهو مثل ما تقدم في الحديث السابق في الباب «إن كان له عمل صالح أخذ منه» (ويعطي هذا) أي: الآخر بفتح الخاء (من حسناته، فإن فنيت حسناته) بأخذ الغرماء لها. (قبل أن يقضي ما عليه) من التبعات (أخذ) بالبناء للمفعول كالمضارع قبله والماضيين بعد (من خطاياهم) أي: ذنوبهم، وظاهر عمومه يشتمل ما كان متعلقاً بالخلق، ويحتمل أن يخص ما يتعلق بالحق (فطرحت عليه ثم طرح في النار) قدر عمله السيء وما طرح عليه (رواه مسلم) قال ابن الرصاع في كتاب (تذكرة المحبين في «شرح أسماء» سيد المرسلين) قال بعض العارفين عند هذا الحديث: إنه فيه تشديد
وفيه للعقلاء غاية الوعيد فإن الإنسان قلّ أن تسلم أفعاله وأقواله من الرياء ومكايد الشيطان، وإن سلمت له خصلة فقلّ أن يسلم من أذية الخلق، فإذا كان يوم القيامة وقد سلمت له حصلة مع قلة سلامتها طلب خصمك تلك الحسنة وأخذها منكم بحكم مولاك عليك، فإنه لا مال يوم القيامة تؤدي منه ما عليك، بل من حسناتك يا مغبون إن كنت صائماً بالنهار قائماً بالليل جاداً في طاعة الرحمن، وقلّ أن تسلم من غيبة المسلمين وأذيتهم وأخذ مالهم، هذا حال من كان جاداً في الطاعات فكيف من كان مثلنا جاداً في جمع السيئات من أكل الحرام والشبهات